للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ازدراء عما إذ اكان يقصر اسم الرجولة على من كانت لهم القدرة أن يعبوا أقداحاً كبيرة من الخمر، أو الفلاحين الذين غلظت أيديهم وجمدت من أثر المحراث، أو على من يبرهنون على رجولتهم بالعربدة والفجور والفسوق؟. . . ويستخذى الجميع أمام حماسته وشجاعته ورباطة جأشه.

ولا يفوته أن يقارن بين نفسه بين من اتهموا قبله من النابهين الأعلام بمثل ما اتهم به، قائلا إن ديموستين نفسه لم ينج من اتهام أعدائه إياه بالنقص في رجولته!

والحق أن مرد هذه التسمية لم يكن إلى ضعف فيه ولا إلى خور، فقد كان منذ يفاعته شجاع القلب والرأي، ولسوف يقيم الدليل في المستقبل أيامه على أنه ما حمل القلم يوما أشجع منه؛ وكان في الكلية لا يهمل المران على استعمال سيفه يوماً؛ وكان لا يرهب التحدي، ولا يحب أن يصانع ذا غلظة أو يتواضع لذي كبرة، وإن كان في غير ذلك من المواقف جم الأدب مرموق الوداعة. . .

وما سماه أقرانه هذا الاسم أول الأمر إلا لأنهم أساءوا فهم وداعته ورقة حاشيته، ثم عادوا يرددونه رغبة منهم في إغاظته وإمعانا في إعناته، ولا يجد الشباب عادة في الزراية على من لا يتابعهم إلى ما يحبون من العبث واللهو الخشن أنكى من نعته بالأنوثة.

وكان مرد عفته واعتصامه بالفضيلة إلى معنى طريف يضاف إلى وازع الدين وداعي الخلق؛ وذلك أنه كان يرى أن الشاعر الذي يعد نفسه لرسالة سامية، ينبغي قبل كل شئ أن يكون أهلا لما يستشرف له، ولن يكون لذلك أهلا إلا إذا سمت نفسه وخلت من الأوضار، واتصلت في كل متجه بالمثل الأعلى لا تتخلف قط عنه، أو على حد تعبيره ينبغي أن يكون هو قصيدة سامية.

ولقد نجح ملتن نجاحاً عظيماً في توقد عاطفته وشاعرية روحه، وتفهمه أسرار الجمال، وتفطنه إلى موطن الفتنة في دنيا الطبيعة وفي دنيا الناس، وهذا إلى ما اتصف به من فراهة الجمال وروعة الشباب؛ ولذلك فأن سيطرته على نفسه مع هذا أعظم من أن تكون نجاحاً، فأنها تشبه أن تكون معجزة.

وحق لهذا الشاب أن يفخر بقهر نفسه، أو على الأصح بقهر شهوات نفسه، فقد أطلق نفسه على سجيتها بعد إذ جنبها مزال الضلال ومهاوي الفتنة لتنطلق حرة في مسارح الجمال

<<  <  ج:
ص:  >  >>