للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

صادراً عن روح طيب وطبيعة حيرة وسجية فاضلة (ف٨) وعنده أن مقياس الحسن في الأشياء والأفعال أن تكون محبوبة خصوصاً لدى الذين يألفونها ويحسنون تقديرها (ف٩)، فإذا لم يجمع هؤلاء على الإعجاب بها ومحبتها أو اختلفوا حولها لم نكن خيرات حقة، بل كانت أشبه بخيرات العامة من الناس الجزئية المتباينة التي ترضي هوى كل على حدة، أما الخيرات الكلية العامة فهي إلى جانب كونها مطلقة من كل هوى ومشتركة بين الأخبار جميعاً تحمل في طيها لذتها وقيمتها، واللذات الأخرى ملحقة بها وثانوية بالنسبة إليها. فليس أجمل ولا أكمل ولا ألذ في نظر الرجل الفاضل من أن يأتي الأعمال الفاضلة ويرى الآخرين يفعلونها أيضاً. وهذا شر إصرار أرسطو على جعل الفضيلة ملكة راسخة ثابتة في نفس أصحابها يصدرون عنها في كل ما يفعلون أو يتذوقون من أفعال غيرهم، وإن كان لا يعدم في نهاية الأمر (ف١٤. . . ١٦) أن يقيم وزناً ثانوياً للخيرات الخارجية كجمال الخلقة وشرف الأسرة والثراء والأصدقاء، يحسبانها للسعادة يؤدي الحرمان منها كلها أو بعضها لا فساد الحياة السعيدة وتعكير صفوها

وقد يحث أفلاطون ومن قبله سقراط فيما إذا كانت سعادة الإنسان وفضيلته يمكن أن تكتسب بالتعلم والمران أو أنها فطرية موروثة يهبها الإله، ويرقب أرسطو بأن يكون مرجع السعادة إلى النوع الثاني لتصبح أقدس ما يكون في حياتنا، وان كانت لتبدو نتيجة ألا تتمادى في تقديس السعادة إلى الحد الذي ننسى معه أنها ممكنة المثال لكل منا بقليل من العناية والدرية. . . حتى لا تسلم بأنها من عمل الصدفة والاتفاق أو خصوصاً وقد عرف السعادة من قبل بأنها فاعلية النفس بما يطابق الفضيلة، وهل الغرض من السياسة أن تقوم على تكوين نفوس المواطنين تكويناً يؤدي بهم إلى السعادة - وان الفاعلية عنده لتقترن بالسعادة اقتراناً لا نستطيع معه أن نقول عن الحيوان أو الطفل أنه سعيد لخلوهما بعد من هذه الفاعلية، وشرطها السعادة إذن هما تمام الفضيلة وكمال الحياة، ولا يعني أرسطو بكمال الحياة انتظار الموت للحكم بالسعادة كما يقول الشعراء، أو الخوف والإشفاق من تقلبات الدهر وآلام الشيخوخة وحظوظ الأبناء والأحفاد - فان من هذه ما يدوم حتى بعد الموت، ولو أقمنا لها وزناً في الحياة لوجب أن تكون كذلك بعد الممات (ب٧ف١٤) كما أنه من الحمق عنده أن تقول عن الشخص بعد موته، لقد كان فلان سعيداً، ولا نملك أن تقول عنه

<<  <  ج:
ص:  >  >>