للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وفي خلافة الصديق رضي الله عنه، وفي صدر من خلافة عمر، ثم قال عمر رضي الله عنه إن الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة، فلو أمضيت عليهم، فأمضاه. فهل لعمر بوصفه إماماً للمسلمين أن يشرع ما لم بشرعه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ هل له أن يبطل سببية معتبرة شرعاً ويضع موضعها سببية أخرى؟ وكيف ذلك مع أن الحكم بسببية صيغة من الصيغ في استتباع أمر مما اختص به الشارع دون سواه؟

يقول الأستاذ الأكبر: إن عمر لم يبطل سبباً، ولم يرد سبباً، وإنما رأى مصلحة في أن يمنع الناس من بعض ما أبيح من قبل، ذلك أن الرجل كان إذا طلق امرأته ثلاثاً في لفظ واحد لم يلحقها بذلك إلا طلقة واحدة يباح للزوج معها أن يراجع ما دامت في عدتها، ويباح له أن يتزوج بها مرة ثانية إذا خرجت من هذه العدة بدون أن تنكح زوجاً غيره؛ فكل ما فعله عمر منع الأزواج من هذا الحق الذي كان مباحاً لهم، فأصبح الزوج لا يستطيع أن يراجع زوجته من هذا الطلاق وهي في عدتها وأصبح لا يستطيع أن يعقد عليها إذا خرجت من عدتها إلا أن تتزوج سواه ويطلقها، وإنما منعهم من ذلك لمصلحة رآها ومن المقرر أنه يجوز للحاكم أن يمنع الناس من شيء كان مباحاً من قبل إذا كان للصالح العام مصلحة في ذلك.

هكذا قرر الأستاذ الأكبر المسألة على هذا الوجه؛ + + بعد ذلك وجه آخر لم يعرض له فضيلته هنا، ولعله عرض في مذكرة قانون الطلاق سنة ١٩٢٨.

أما بعد. فهذه الأمثلة مما اضطلع به فضيلة الأستاذ الأكبر الإمام المراغي من توجيه للأزهريين، (في أيام الرواق) لم نقصد بها إلا الاستعياب وإنما أردنا تنبيه الأساتذة والإخوان والأبناء إلى وجه العبرة منها ليستخلصوه وليعتبروا به، وليعلموا أن مجال العلم والتحقيق أوسع وأجدى مما يتصوره عليه سادتنا الأعلام (أعضاء الجماعة)، أولئك الذين قضوا عاماً كاملاً يتناقشون في حملة العرش، وما صفتهم، وهل هم أوعال أو غير أوعال!

محمد محمد المدني

المدرس بكلية الشريعة

<<  <  ج:
ص:  >  >>