الحسبية قد أخذ بمبدأ معين، فأنكر عيه الأستاذ الأكبر ذلك، وسأله عن مرجعه الذي اعتمد عليه في تقريره، فظهر أنه اعتمد على سؤال شفوي وجهه إلى أحد العارفين بنظام المجالس الحسبية واطمأن إلى جوابه! وهنا ألقى الأستاذ الأكبر درساً عاماً في الأمانة العلمية، وما يجب على الباحث من التحري وطول الصبر والأناة حتى لا يقع في مثل هذا الخطأ الكبير!
وقد أثار الأستاذ الأكبر في مناقشته لرسالة الطلاق مسألتين تستوقفان النظر، وتستحقان البحث والدرس.
إحداهما: أن الطالب كان يقرر أن الشريعة الإسلامية إنما أعطت حق الطلاق للرجل دون المرأة، لأن الرجل أسمى من المرأة تصرفاً وأرجح عقلاً، وأقدر على أن يحسن استعمال هذا الحق فيسمو به عن مواطن العبث ومواقع الهوى والغرض.
فقال له الأستاذ الأكبر وهو يحاوره: إننا أولاً لم نجرب المرأة لنعرف إن كانت تستطيع أن تحسن استعمال هذا الحق لو أعطى لها أو لا تستطيع، ولكننا إذا نظرنا إلى الرجل وجدناه قد أساء استعمال هذا الحق إساءة أصبحت مضرب الأمثال، فهو يقسم بالطلاق حين يبيع ويشتري، ويقسم به حين يمزح مع أصحابه، ويقسم به حين يلعب النرد، ويقسم به في كل تافه من الأمر، فإذا كانت العلة تدور حول إحسان استعمال هذا الحق أو إساءته، فها هو الرجل قد أساء، فهل لنا أن ننتزع منه هذا الحق لنضعه في يد القاضي؟ وحينئذ لا يجوز للزوج أن يطلق زوجته إلا أمامه، فنكفل بذلك مصلحة الرجل والمرأة معاً، ونجعل بذلك رباط الأسرة في يد أمين بعيد عن الهوى، خال من الغرض، قدير على التدبر والنظر والموازنة والحكم العادل!
هكذا أورد الأستاذ الأكبر سؤاله واضحاً لا يكتنفه غموض جلياً لا يحيط به لبس ولا تعقيد، ولكنه مع ذلك كان حريصاً على ألا تنسب إليه هذه الفكرة، على أنها أمر قد بُت فيه وفر منه؛ ولكن على أنها سؤال قابل للمناقشة والبحث، ولذلك قال الطالب: إني سائل فقط، ولست قائلاً بهذه الفكرة ولا مقترحاً الأخذ بها، ولا مشيراً بتشريع فيها!
ومسألة أخرى في رسالة الطلاق، عرض لها الأستاذ الأكبر، وشرحها شرحاً وافياً، ذلك أنه ورد في الصحيحات أن الطلاق الثلاث في لفظ واحد كان سبباً في وقوع طلقة واحدة فقط