وصيحات الدين وثورات العقل، يسمعها جميعا تتعالى في جلية عنيفة لتوقظه من سبات عميق ران عليه شهورا، فأحس بالزلة الكبرى، وتبدت له أفانين المكر والخداع التي لفته بين طياته، تعميه عن الصواب وتدفعه إلى الهاوية، غير أن عزيمته المتداعية ضعفت عن أن تذر الفتاة التي أحب أو أن تهجر الدار التي أغوته. وتعاوره أمران، ثم عقد شيطانه العزم على أن يسرح الزوجة الأولى.
ثم دخل الفتى الدار التي سعد بها زمانا ثم هجرها حينا. . . دار الزوجة الأولى. . . دخلها فتدافع نحوه الصبية الأبرياء يتعلقون به في شوق، ويغمرونه بالقبلات الحارة في شغف، ويلصقون به في عناق طويل حبيب إلى النفس. وهاجت شجون الفتى الساذج وتيقظ عقله ليرى الزلة الكبرى التي هوى في قرارها حين غم عليه الأمر، فتحدرت من عينيه عبرات والزوجة الأولى ترى، فثارت عاطفتها الخالصة فاندفعت إلى حجرتها لتواري خلف الباب ضعف نفسها وبكاء قلبها. . . تحدرت العبرات من عيني الفتى لتمسح على تاريخ قصر من الحماقة والجهل والعمى، تاريخ باع فيه صغاره الأحباء بالثمن البخس، بفتاة ما فيها سوى بهرج الحضارة وزيف المدينة، بفتاة خدعته فسرقته من زوجته وأولاده.
وباتت اللصة التي تستتر وراء فنون من الدلال والأناقة والتطرية والعطر. . . تسترت وراءها جميعا لتسرق الرجل من زوجته وأولاده. . باتت اللصة تنتظر عبثا عودة الزوج الغر. . .
وطار الطائر السجين إلى قفصه حين آذاه النور وآلمته الحرية فتخبط بينهما حينا ثم ارتد إلى عشه الأمين: إلى زوجته وأولاده وهم نور عينيه وفرحة قلبه وبهجة حياته!