للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هاجر والد تروتسكي متجها إلى الجنوب ومعه بعض المال، فاشترى مزرعة بجوار مدينة كيرصون، الواقعة على شواطئ البحر الأسود.

والمتتبع لتاريخ اليهود وفرقهم وسحنتهم، يلمس من أول نظرة الفرق الكبير بين يهود البلاد العربية، إذا قارنتهم بيهود أوروبا، ولكن هناك فريقا ينفرد بميزات خاصة عن يهود أوروبا هو فريق يهود الروسيا. أنهم عنصر قائم بذاته، لأنه يأتي من بلاد لا تزال القرى والمدن فيها تحمل أسماء تترية آسيوية، فهو من هذه الناحية يختلف تماما عن غيره من يهود العالم لأنه يمتاز بشدة المراس والشجاعة. والغريب أن ينشأ صاحب القلم الثوري في وسط غير عمالي، فهو يقرر أن والده كان في سعة من العيش، وأنه لم يذق قط في حياته شظف الحرمان، وأن الثورة التي دعا إليها وكافح طول عمره من أجلها، انتهت بحرمان والده من مزرعته وتشتيت أفراد عائلته الذين اضطهدوا في عهد القيصرية ثم من جيوش دنيكين وفرانجيل بحكم قرابتهم له طول أيام الحروب الأهلية، ولما جاءت جيوش البلاشفة اتهموا كرجال رأسماليين، فكان نصيبهم سيئا في الحالين.

إنني لا أزال أذكر جيدا، كيف قرأت له لأول مرة في حياتي، فقد كنا نقيم طول أيام الحرب العالمية الأولى في ضاحية المعادي، وفي سنة ١٩٢٠ بعد انتهاء الحرب كنت بمحطة باب اللوق، حينما وقع نظري على كتاب بعنوان (الثورة الروسية) بقلم ليون تروتسكي، وهو على ما أذكر أول كتبه، ورغم أنني كنت في السنوات الأولى بمدرسة الحقوق بمصر، ومعلوماتنا في اللغات الأجنبية كانت محدودة، فقد استهواني الكتاب وقرأت فصوله التي تحدث فيها عن الثورة الروسية، ومحاولات عقد الصلح بين روسيا من جهة ودول ألمانيا والنمسا وتركيا وبلغاريا من جهة أخرى ولا أخفى القارئ أنني تأثرت من كتابة تروتسكي وقلمه، فانطبعت في مخيلتي الثورة وحوادثها ومآسيها، وتعرفت على أسماء البلاد الروسية وأشخاص السوفييت، فاستعملت كل ذلك في محادثاتي مع الكثيرين من الضباط الروس الذين جاءوا لمصر، كانوا يملئون شوارعها عقب هزيمة القوات الوطنية، التي حاولت إخماد ثورة البلاشفة.

كان هذا أول اتصال لي بتروتسكي، الكاتب المؤرخ للثورة الروسية التي قامت سنة ١٩١٧.

<<  <  ج:
ص:  >  >>