للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

والسائر من شعر أبي تمام لا يقل في الصفات التي تؤهله لأن يسير عن شعر المتنبي السائر. وترى كثيراً من هذا الشعر السائر في جميع أبواب شعر أبي تمام من مدح أو رثاء أو وصف أو هجاء، وله أبيات كثيرة تدل على بصيرة وفهم وذكاء، وأسباب السيرورة هي التوفيق في الصناعة والإيجاز والبيان والوضوح وسهولة اللفظ وقوة السيل الشعري المنبعث من النفس وسلامة الفطرة والذوق. ولأبي تمام أبيات صارت ملكا مشاعاً مثل قوله:

وإذا أراد الله نشر فضيلة ... طويت أتاح لها لسان حسود

ومثل قوله:

فلا تحسب هنداً لها الغدر وحدها ... سجية نفس، كل غانية هند

وقوله:

ومن لم يُسَلِّم للنوائب أصبحت ... خلائقه طرا عليه نوائبا

وقوله:

وطول مقام المرء في الحي مخلق ... لديباجتيه فاغترب تتجدد

وقوله:

وقد يستر الإنسان باللفظُ خلقَه ... فيظهر عنه الطرف ما كان يستر

وفي رواية فعله (أي سبب فعله) بدل خلقه؛ وقوله أيضاً:

يعيش المرء ما استحيا بخير=ويبقى العُود ما بقي اللحاء

وقوله:

وإني رأيت الوشم في خُلُق الفتى ... هو الوشم لا ما كان في الشعر والجلد

وقوله في تعزية الرثاء من قصيدة جليلة مشهورة:

أتصبر للبلوى عزاء وحِسْبَةً ... فتؤجر أم تسلو سلوَّ البهائم

وقوله:

لذلك قيل بعض المنع أدنى ... إلى مجد، وبعض الجود عار

وقوله:

ليس الغبيُّ بسيد في قومه ... لكنَّ سيد قومه المتغابي

<<  <  ج:
ص:  >  >>