برفق. . . وعادت الأم بعد حين، فتناولت كرسياً مفكك الأجزاء مضطرب القوائم، ودنت به من مكان العجوز. وأمسكت يد الطفل الصغيرة بين راحتها وأخذت تتأمله بحب وحنان، بينما كان الطفل المريض يتنفس بجهد أكبر وعناء أشد والتفتت الأم على حين بغتة إلى الرجل العجوز وقالت له تحدثه:
- ألا تعتقد أنه سينجو وأفوز به؟. . . إن الله رؤوف بعباده وهو لن يفجعني فيه أبداً. . . أليس كذلك؟. . .
أما العجوز (المسكين!) فقد كان ملاك الموت نفسه. وقد هز رأسه هزة واحدة كان فيها جواب النفي أو الإيجاب
وأحنت الأم رأسها ونظرت إلى الأرض بعينين أفعمهما الدمع السخين، وسالت العبرات منهما على الوجنتين
وشعرت فجأة بثقل في رأسها، ونعاس في جفنيها. لقد طوت ثلاث ليال كاملات لم تذق للكرى طعماً. وهنا أخذ النعاس يداعب جفنيها، فأغفت دقيقة واحدة فحسب. . . ثم استيقظت وهي ترتجف من البرد وترتعش. وألقت حولها نظرات حائرة، وصاحت بخوف وذعر:
- ما هذا؟. . .
لقد ذهب الرجل. . . والطفل الصغير لم يكن في سريره. . . إذاً لقد أختطفه العجوز ومضى به
وفي أحد أركان الغرفة كانت الساعة التي أكل الدهر عليها وشرب، تحدث أصواتاً متمازجة مختلطة؛ وكانت تروسها تصرُّ وتزمجر، وسقط على حين غرة رقاصها الرصاصي الثقيل، ثم هدأت كل حركة، ولم يعد يسمع أي صوت. . .
لقد وقفت الساعة عن الدوران
وخرجت الأم المسكينة إلى الطريق تنشد طفلها العزيز وتناديه وهناك بين الثلوج كانت تجلس امرأة عجوز ترتدي الثياب السود الطويلة؛ فما أن رأت المرأة الأم حتى هتفت بها:
- إن ملاك الموت قد دخل دارك، ولقد رأيته خارجاً منها وهو يحمل ابنك الطفل، لقد ذهب بسرعة البرق وهو لا يعيد قط ما سلبه