- ولكن أخبريني بربك من أين ذهب، وإلى أية ناحية أتجه. أتوسل إليك أن تخبريني بذلك، وسألحقن به وأجده
فأجابتها ذات الثياب السود:
- إنني أعرف الطريق التي سلكها، ولكني قبل أن أرشدك إليها أريد أن تنشديني كل الأغاني التي كنت تنشدينها ابنك الطفل. إنني أحبها كثيراً، وأحب صوتك العذب أيضاً. إنني أنا (الليل) ولطالما سمعتك وأنت تنشدين، ورأيت عبراتك تفيض على وجنتيك وأنت تغنين
- سأنشدك إياها بأجمعها، ولكن في غير هذا الوقت، فلا تعيقيني الآن عن اللحاق بولدي والفوز به.
فاعتصم (الليل) إزاء هذا الجواب بالسكوت ولم يحر جواباً.
للموت الأم حينذاك يديها وأخذت تذرف الدمع السخين. ثم شرعت تنشد أغانيها الواحدة تلو الأخرى. إن أغانيها كثيرة، ولكن الدموع التي ذرفتها كانت أكثر من عدد الأغاني كلها وعندما نفذت الأغاني وانتهت الأم من الإنشاد، رفع (الليل) رأسه إليها وقال:
- اذهبي يميناً في غابة الصنوبر المظلمة، فمن هنا لاذ (الموت) بالفرار ومعه ابنك العزيز
فأسرعت الأم إلى الغابة وصارت تغذ الخطايا فيها؛ وما كادت تتنصفها حتى تشعب الطريق فلم تدر أي سبيل تسلك. ونظرت حولها فوجدت عوسجاً من الشوك، ذهب برد الشتاء وجليده بأزاهيره وأوراقه، وجعل أغصانه تتدلى في الهواء وحدها.
فدنت منه وقالت:
- ألم تر الموت حاملاً ولدي؟
فأجابها العوسج بقوله:
- أجل لقد رأيته، ولكني لن أرشدك إلى الطريق التي سلكها إلا بشرط. ذلك أن تدنيني - أولاً - من صدرك كي أصيب بعض الدفء لأني أوشك أن أجمد وافني من شدة البرد، أكاد أصبح قطعة من جليد.
وأدنت العوسج منها، وضغطته على صدرها لتنيله مبتغاه من الدفء، وتذيب عنه الجليد