الثقافات والحضارات التي نشأت وترعرعت حول بحر الروم نفسه، كان أشد وأعنف وأطول من الخصام الذي حدث بين هذه الثقافات والثقافات الهندية والصينية بدرجات كبيرة. . .
مع هذا أتساءل حائراً: ما الفائدة من هذه الأبحاث في هذا المقام؟ ما شأن هذه القضية بشرقية مصر أو غربيتها؟ وهل من علاقة منطقية بين هذه القضية وبين مسألة وجود أو عدم وجود فروق جوهرية بين العقل المصري والعقل الأوربي؟
يتساءل المؤلف في هذا المقام:
- أيهما أيسر على العقل المصري: أن يفهم الرجل الصيني أو الياباني، أو أن يفهم الرجل الفرنسي أو الإنكليزي؟
(هذه هي المسألة التي لا بد من توضيحها وتجليتها قبل أن نفكر في الأسس التي ينبغي أن نقيم عليها ما ينبغي لنا من الثقافة والتعليم؟)(ص٧)
وهل من مفكر يقول - في مصر أو في غير مصر - بوجوب إقامة الثقافة والتعليم على أسس ثقافة الصين أو اليابان؟
إنني أعتقد أن هذه الأبحاث كلها من الأمور الاستطرادية التي لا ضرورة لها ولا فائدة منها: فلا الاتفاق في أمرها يكون سبباً كافياً لقبول الحكم المتعلق بعدم وجود فرق جوهري بين العقل المصري والعقل الأوربي، ولا الاختلاف في شأنها يكون سبباً مبرراً لرفض ذلك الحكم
كما أن الاتفاق أو الاختلاف عليها لا يستلزم الاتفاق أو الاختلاف في تثبيت الأسس التي يجب أن تقام عليها الثقافة والتعليم، في مصر وفي سائر البلاد العربية
٢ - قبل أن ينتهي المؤلف من مناقشة قضية (الشرق والغرب) يتطرق إلى مسألة أخرى، فيثير قضية (تأثير وحدة الدين ووحدة اللغة في تكوين الدول) إنه يقول في هذا الصدد ما يلي:
(من المحقق أن تطور الحياة الإنسانية قضى منذ عهد بعيد بأن وحدة الدين ووحدة اللغة، لا تصلحان أساساً للوحدة السياسية، ولا قواماً لتكوين الدول. . .)(الصفحة ١٦)
(فقد تخففت أوربا من أعباء القرون الوسطى، وأقامت سياستها على المنافع الزمانية، لا