للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الحور العين؛ ترك القصر واتجه إلى قصر أخته (علية) هرع الخدم إلى الأميرة يعلمونها بقدوم أمير المؤمنين؛ فأسرعت الأخت إلى أخيها؛ وهي تعلم أن مجيئه في مثل هذه الساعة؛ ومن غير ميعاد؛ لم يكن إلا لأمر أصابه أو هم أقلقه. وعلية أدرى الناس بمعالجة أخيها - كيف لا؟ وهي أميرة الشعر والطرب.

جلس الرشيد في الشرفة المطلة على دجلة. وأمرت علية جواريها أن يلبسن أنواع الثياب المزركشة؛ ورصعت رؤوسهن بالعصائب الحريرية المكللة بالدرر والجواهر؛ وأخذن معازفهن وجلسن قريباً من أمير المؤمنين واندفعت تغني أبياتاً من نظمها وتلحينها والجواري يرددن الغناء:

فرجَّوا كربي قليلاً ... فلقد صرت نحيلاً

افعلوا في أمر مشغو ... ف بكم فعلاً جميلاً

فالشعر من نظمها؛ واللحن من وضعها؛ والصوت من قلبها وما خرج من القلب حل في القلب؛ فتغلغلت النغمات في أعماق قلب الرشيد ودافعت الهموم، فسر بذلك وابتسم فابتسمت الدنيا لعلية؛ إذ أنها فرجت عن أخيها؛ واستزادها فغنت من نظمها:

أوقعت قلبي في الهوى ... ونجوت منه سالمه

وبدأتني بالوصل ... ثم قطعت وصلي ظالمه

توبي فانك عالمه ... أولا فانك آثمه

فطرب الرشيد طربا شديداً. ثم استدناها منه وأخذ يتحدث معها عما كان به من الهم: وأمرت علية إحدى جواريها فغنت من أصوات سيدتها:

قل لذي الطرة والاصداغ والوجه المليح

ولمن أشعل نار الحب في قلب قريح

ما صحيح عملت عيناك فيه بصحيح

وغنت جارية ثانية:

ألبس الماء المداما ... واسقني حتى أناما

وافض جودك في النا ... س تكن فيهم إماما

لعن الله أخا البخل ... وإن صلى وصاما

<<  <  ج:
ص:  >  >>