هي من أوائل الشواهد. فلو رجع إليها الفاضل عبد الله الصاوي الذي (عني بجمع ديوان الفرزدق وطبعه والتعليق عليه) في شرح (الأوابد) في بيت الفرزدق:
لن تدركوا كرمي بلؤم أبيكم ... وأوابدي بتنحل الأشعار
ما كان قال:(شبه القصائد بأوابد الوحش). وأوابد الوحش نفرها، ومثل هذا الشرح يذل البيت ويزيغ القارئ - فلو رجع إلى اللسان والأساس لوجد الأول يقول:(يقال للشوارد من القوافي أوابد. قال الفرزدق: لن تدركوا. . . وقافية شرود غائرة سائرة في البلاد) ووجد الثاني يقول: (أوابد الشعر التي لا تشاكل جودة قال الفرزدق: لن تدركوا. . .) وفي الصحاح: (يقال للشوارد من القوافي أوابد قال الفرزدق: لن تدركوا. . .) وفي التاج: (الأوابد القوافي الشرد مجاز. قال الفرزدق: لن تدركوا. . .)
ولو رجع العلامة اللغوي المشهور الشيخ إبراهيم اليازجي إلى كتب الأدب واللغة ما كان قال في مجلته (الضياء) السنة (٣) الصفحة ٤٨٥ - :(قال الفرزدق:
والشيب ينهض في الشباب كأنه ... ليل يصيح بجانبيه نهارا
أراد بقوله يصيح صيغة المتعدي من قولهم انصاح القمر، فنقل المعنى إلى النهار كما قال البديع: فلما انصاح النهار بجانب ليلى، ثم استعمل منه متعدياً بتجريده من الزيادة، وهو غير منقول في هذا المعنى)
فلو رجع الشيخ إلى (إعجاز القرآن) للباقلاني و (ديوان المعاني) للعسكري و (حماسة البحتري) و (الأغاني) و (نثار الأزهار) لابن منظور صاحب اللسان، و (الكامل) للمبرد و (أساس البلاغة) و (لسان العرب) و (تاج العروس) لوجد في هذه الكتب كلها رواية البيت الصحيحة:
والشيب ينهض في السواد كأنه ... ليل يصيح بجانبيه نهار
ووجد في اللسان والتاج هذه الفائدة:(. . . عن أبي عبيده أن جعفر بن سليمان قدم عند المهدي فبعث إلى يونس بن حبيب فقال: إني وأمير المؤمنين اختلفنا في بيت الفرزدق وهو (والشيب) ما الليل والنهار؟ فقال الليل هو الليل المعروف وكذلك النهار فقال جعفر: زعم المهدي أن الليل فرخ الكروان والنهار فرخ الحباري. قال أبو عبيده القول ما قال يونس؛ وأما الذي ذكره المهدي فهو معروف في الغريب ولكن ليس هذا موضعه. قال ابن بري: قد