ذكر أهل المعاني أن المعنى على ما قال يونس وإن كان لم يفسره تفسيراً شافياً، وإنه لما قال: (ليل يصيح بجانبيه نهار) فاستعار للنهار الصياح لأن النهار كان آخذاً في الإقبال والإقدام، والليل آخذ في الإدبار صار النهار كأنه هازم والليل مهزوم، ومن عادة الهازم أن يصيح على المهزوم. ألا ترى إلى قول الشماخ:
وألقتْ بأرجاء البسيطة ساطعاً ... من الصبح لما صاح بالليل نفّرا
فقال: (صاح بالليل حتى نفر وانهزم)
وبيت الفرزدق في قصيدة مشهورة ناقض بها قصيد لجرير مطلعها:
لولا الحياء لهاجني استعبار ... ولزرت قبرك والحبيب يزار
وفي قصيدة الفرزدق هذه الأبيات:
إن الملامة مثل ما بكرت به ... من تحت ليلتها عليك نوار
وتقول: كيف يميل مثلك للصبا ... وعليك من سمة الحليم عذار؟!
والشيب ينهض في السواد كأنه ... ليل يصيح بجانبيه نهار
إن الشباب لرابح من باعه ... والشيب ليس لبائعيه تجار
فالفعل (يصيح) وماضيه (صاح) أي صات، و (نهار) مرفوع فاعل يصيح. وللشيخ اليازجي عجائب في نقد متقدمين وسنعود إلى تبيينها في وقت
في شعر الفرزدق ألفاظ كثيرة فاتت المعجمات التي نعرفها مثل اللسان والتاج وغيرهما. من ذلك (التظاليل والوهون) وقد وردت الأولى في قوله:
وظلماء من جرّا نوار سريتها ... وهاجرة دوّية ما أقيلها
جعلنا عليها دوننا من ثيابنا ... تظاليل حتى زال عنها أصيلها
وجاءت الثانية في قوله:
وحبْل الله حبلك من ينله ... فما لعُرى إليه من انفصام
فإني حامل رجلي ورحلي ... إليك على الوهون من العظام
والوهون من مصادر وهن وقد ذكروا الوهن بالسكون والحركة. وإني لأستبعد قصده الوهون بفتح الواو بمعنى الضعيف
وفي العربية ألوف من الألفاظ الجاهلية والإسلامية لم تجلبها كتب اللغة. وقد بينت هذا