صمت كل شيء وأصبح القوم كأن على رؤوسهم الطير، ولكن الأنواء ما فتئت تدوي في ظلمات الأغوار، وطفق القوم يقولون والأسى يقطر من نفوسهم والدمع يسيل من عيونهم:(الوداع الوداع أيها العزيز) وما برح هريم الهاوية يهبط رويداً رويدا حتى هلعت القلوب وحارت العقول وأمسك القوم أنفاسهم من شدة الهلع.
ثم قال أحد الحاضرين (والله لئن رميت تاجك في هذا الغور الهائل، وقلت: الملك لمن يرده ما سولت لي نفسي التطلع إليه).
(وكم من فلك اختطفته هذه الأغوار ولم ينتج منها إلا حطاماً وساريات ودفن باقيها في بطون الرموس. .) وعلت زمجرة اللجج بغتة فغطت على بقية القول وهاجت عاصفة الموج وعلا كالطود وهجم على الشاطئ كأنه وحش مفترس فخيل للحضور أنه يريد أن يتفهم كما أبتلع قبل ثوان ذلك الشاب الجميل فخافوا وفزعوا.
وعلى غرة من القوم ندت صرخة فرح من أحدهم فقد شاهد بين صخب الموج وتلاطمه القوي العنيف ذراعاً وعنفاً مسدلاً عليهما شعر أصفر صفرة الذهب. وما هي غلا لحظات حتى طفا الشاب يسبح بقوة وجبروت على سطح الماء يحمل في إحدى يديه الكأس الذهبية والبشر باد على محياه فزاده نوراً على نور.
وعلا صياح الناس فرحين مستبشرين بنجاته من الغرق وقد تغلب على قوة هذا الجبار واقتحم مناطق الخطر وخرج منها سالماً مظفراً.
وتقدم الفتى في زهو وخيلاء والتفت حوله الناس معجبين مهللين حتى بلغ مكان الملك فركع عند قدميه ومد يده بالكأس الذهبية يشع منها النور، فأشار الملك إلى ابنته المحبوبة أن تأخذ الكأس ونملأها من رحيق فاخر وتقدمها للشاب الباسل، وصاح الفتى يقول:
(أعمر الله سيدي ومولاي الملك؛ إن من نعم الله على البشر أن أسعدهم باستنشاق هذا الهواء النقي؟ وإن هذه الهاوية لترتجف منها القلوب وترتاع منها النفوس لما فيها من أهوال وظلمات)
(لقد هويت إلى البحر في سرعة خاطفة فقذفتني موجة جبارة فألقت بي إلى صخرة أشد منها بأساً وقوة فلم أقو على الثبات أمامها وأعاني ربي الذي توكلت عليه واستعنت به