مرض عمر يوما فخفتت أصوات البيت، وأصبح وجوه جواً حزيناً كئيباً، أصبح كل شيء باهتا صامتا. وانطرح عمر على ذراع جدته في استسلم هادئ حزين. وعيناه الزرقاوان تدمعان قليلاً من فرط الحمى، وخداه تلتهبان من حرها، والتف أهل البيت حوله وكلهم واجم حزين، يحس أن روحه معلقة تنتظر وترتقب، وتخاف كل الخوف من احتمال يبعده العقل ويقربه الحب والشفقة. وتناول عمر الدواء من يد جدته في ألم وحزن، ثم أغمض جفنيه واستسلملنوم بدأ مضطربا، ثم ما لبث أن هدأ قليلا قليلا. ونام عمر زهاء الساعة هادئا، وقام بعدها وقد خف عنه الألم، وأحس أن الداء فارقه تماما. فما كان منه إلا أن سحب غطاء منضدة الدواء غير مبال بما سقط أو تكسر، ثم فرشه وقام يصلي: يركع ويسجد ويصيح (بخ بخ) في حرارة وحماسة. لم ينس عمر أن يشكر الله في مرضه لأنه أنعم عليه بفترة هدأ فيها ألمه فاستراح.
هذه صورة لك يا عمر من صور طفولتك، لست أعرف أين يضعها لك الزمان بين صورك الماضية وصورك المستقبلة. ولكن خالتك تشفق على هذه الصورة البريئة الحلوة الطاهرة من النسيان، فسجلتها لك لتذكرها أيام تحلو لك ذكريات الطفولة. ترى استقابلها بابتسامة كابتسامة الطفولة فرحة مرحة؟ أم بابتسامة أخرى ستعلمها لك الأيام؟