وأكبر الظن أنه يريد أن يقول (إلهام طبيعي) لا غير طبيعي.
وتصوير الاتصال بالعقل الفعال أو الله ذاته على النحو المذكور يجعل من ابن رشد صوفياً، خصوصاً وأنه اشترط فيما بعد العون الإلهي. وبهذا لا تستقيم النتيجة التي أوردها بعد ذلك، وهي أن ابن رشد (ابتعد عن مجاهدات الصوفية. . . فهو لهذا أقل الفلاسفة الأندلسيين بل المسلمين تصوفاً) ص ٦٤.
فهل كان ابن رشد متصوفاً، أو عنده نزعة صوفية كالفارابي مثلا؟
- ٢ -
وهذه قصة ألفها الأستاذ السعيد يوسف موسى، تقع في ٢٨٦ صفحة من الحجم المتوسط.
أعرف المؤلف معرفة شخصية، وأستطيع أن أؤكد لك أن هذه القصة صورة من نفس المؤلف، أودعها أحاسيسه وعواطفه وآراءه. وهذا الصدق في التعبير هو السر في قوة هذه القصة وأكبر الظن أن المؤلف لن يستطيع أن يخرج لنا مثيلا لها إلا بعد مضي سنوات طويلة، تزدحم فيها نفسه بتجارب جديدة وصور أخرى يودعها قصته الجديدة، فإن أراد أن يبين فساد حكمي فليقدم على إخراج قصة أخرى. . .
نحن في حاجة إلى القصة الطويلة في اللغة العربية، فالقصة القصيرة يكتب فيها كثيرون على رأسهم الأستاذ محمود تيمور، فهو بطل هذا الميدان. وقصة (بعد الموت) قصة مصرية صميمة، لم يتأثر صاحبها بالمؤلفات الأجنبية، فهي بذلك تسد باباً كنا نحس فيه بالنقص. وهذه خلاصة الموضوع في إيجاز.
طالبان من الريف، ذهبا إلى المدرسة داخلية بالإسكندرية، فاتصلا في المدرسة وارتبطا بصداقة وثيقة العرى. أحدهما جلال، والآخر هو الذي يقص القصة. . . رأتهما (نجوان) صاحبة بار بالإسكندرية، فأحبت جلال الذي كان متعاهداً على الزواج من هند ابنة عمه. وهنا يحدث صراع بين الوفاء للوعد، وبين الحب الجديد الذي يستغرق فيه جلال، وصاحبه معه، إلى أن يطردا من المدرسة. وتعرف هند وأم جلال، فتحضران إلى الإسكندرية تطلبان إلى نجوان التخلي عن جلال، ولا تستطيع نجوان فتقتل نفسها ويشهد جلال مصرعها ويظل ذكراها عالقة بذهنه فلا يشفي من داء حبها حتى (بعد الموت)
إني آسف لهذا الاختصار المخل، فهو لا يغني عن قراءة القصة وتذوق ما فيها من حلاوة