للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حمرته بسمرته فيبدو من امتزاجهما دم جذاب يرق حتى ليكاد يكون روحا، وثغرا كأنما يبسم عن در، ويفتر عن لؤلؤ فقلت: يا سبحان الله! أما قرأت: قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم. . وكان حمد مضيفنا تجاوز الكوخ ليدعوا بعض غلمانه، فقلت لحمدان (وكان من طبعه الانقباض) إن كنت رجلا حقا فأطلقها ضحكة عالية في وادي الهموم، كما أطلقتها ليلى زغرّدة في أجواز الهواء. قال: كيف؟ والمدنية الحديثة جعلت فينا أمزجة منقبضة وطبائع سوداوية، فأضعنا نضارة الشباب في هم مبرح. ولم نتلقى غفلات العيش على ما في طيها من نعم وخيرات، كما يتلقى قطان البادية من الأعراب، وسكان الغابات من عجائز السود، شظف الحياة، وضيق العيش. بصدر رحب، وثغر بشوش.

قطعت علينا الحديث خادم عجوز سوداء لليلى. أتت ولا شيء يسترها غير رقعة تحجب سوءتها، ثم مدت سماطاً بديع النسيج الا أنه مهلهل، وعادت فأتت بمبخرة فيها عود أو صندل

ثم أتى حمد وخلفه جزور فنحره، وحمله الخدم بعد لطهيه، وجاءت أقداح الشاي واستمرت تدور المرة بعد المرة، وحمد يحدثنا بحديث عذب فيه رطانة الزنوج، ولحن الأعراب

حدثنا انه يتصل بعرب الحمران، وأن لهم أحاديث كالمسك، في الهوى العذري، والحب الطاهر، وأن منهم (تاجوج ومحلق) الذين ضربت بحبهما الأمثال، وتحدثت عن عفتهما الركبان

قلت: ومن تاجوج ومحلق؟

فأجاب، كانت تاجوج فتاة جميلة، لم تر بلاد السودان فتاة أجمل منها إلى اليوم، وقد بلغ من جمالها أن الناس كانوا يحثون المطايا ليروها ثم يعودوا، وكان أبوها يدعى (الشيخ أوكد) شيخ القبيلة، أحبها ابن عمها (محلق) وتزوجها، وفي يوم أسكره الحب وتيمه الغرام، فألح عليها ان تتجرد من ثيابها وتمشي أمامه عارية فامتنعت حياء، ألح مرة أخرى فامتنعت، ثم ألح ثالثة فقالت، إذا أطعتك فماذا تفعل؟

قال: أنفذ كل طلب لك

قالت: أقسم، فأقسم، فتجردت ومشت أمامه ذهابا وإياباً. إلى أن قال: كفى كفى!

ثم قال، اطلبي الآن ما تريدين. قالت: أن تطلقني في الحال، فطار صوابه، فوقع على

<<  <  ج:
ص:  >  >>