قدميها يقبلهما ويسألها العفو فأبت الا البر بقسمه، فطلقها وهام على وجهه ينشد في حبها الأشعار كمجنون ليلى.
ثم تزوجت بعد طلاقها رجلا من وجهاء قبيلتها فتأثّر محلق فغلبه على ماله، المرة بعد المرة ثم رده إكراما لتاجوج.
وأخيرا اشتد عليه الكرب وأضناه الحب، فألح على أهله أن يمكنوه من رؤيتها، فذهبوا إليها وأخبروها لحاله فرقت له، وذهبت لرؤيته، فإذا هو طريح الفراش وحوله نساء ينددن بها ليصرفن قلبه عنها، فلما دخلت لم يسعهنّ الا الوقوف احتراما لجمالها وإعجاباً بها، وأجلسنها إلى جانب سريره فلما رأته على تلك الحال تنهدت وقالت:
أإلى هذا الحال وصلت يا حشاي وأنا لا أدري؟ ثم وضعت رأسه على ركبتها وكان قد أغمي عليه، فلما أفاق نظر إليها وأنشد أبياتا منها هذا البيت الذي ننقله بلغته ولحنه وصورته:
حبك في الضمير قاطع لأكباده ... تقتلي الزول سريع قبل الشهادة)
ثم شهق شهقة ومات مسلماً الروح.
ثم أطرق حمد طويلا برأسه إلى الأرض وعاد فنظر إليّ ساهما وقال: حدث بعد ذلك أن غزانا عرب (الهدندوة) فوقعت تاجوج أسيرة في أيديهم فاختلفوا فيها اختلافا كاد يفضي إلى سفك الدماء وأراد كل فريق أن تكون تاجوج من نصيبه
فنهض أحد مشايخهم وكان حازما، ونادى:(تاجوج) من خبائها، فلما أقبلت طعنها بخنجره في صدرها فماتت وحسم النزاع.
ماتت تاجوج، ولكنها ظلت حية في نفوس الذين قتلوها كما هي حية في قلوب بني وطنها جميعاً ولا زال قبرها إلى اليوم يزار (في رأس النيل) بين خور جب وكسلا، وما زال أهل السودان يضربون بها وبمحلق الأمثال.
ثم جاء الطعام على عادة العرب (كسرة، مرقة، وشواء) فكانت رغبتنا في التهام حديثه أكثر من رغبتنا في التهام طعامه
فقلت وهو يستطعمني فأطعم، ثم ماذا بعد؟ فان أعذب الحديث حديث المائدة خاصة مع العرب الأجواد فقال: ثم إن بطناً من عرب الحران حلّ بهذا المكان القريب من هذه الغابة