ليتني أدري ماذا يقول الغني الأصيل إذا نافره الأجنبي الدخيل أمام قدس الوطن؟ أيقول له: هذه رءوس أموال تنشئ الشركات وتقيم المصانع وتنمي الثروة؟ أم يقول له: هذه (مشروعات) أعمالي تقر الأمن وتحيي البلاد وتقتل البطالة؟ أم يقول له: هذه ثمار أفضالي تعزز الدفاع وتشجع الإبداع وتنشر الثقافة؟ الله أعلم يومئذ أيهما يقول ذلك وغير ذلك؛ وأيهما يقف ناكس الرأس خاشع الطرف عَيّ اللسان، لا يجري على باله إلا أنماط الثياب وسلائل الكلاب وفصائل الخيل وطرز السيارات وأندية القمار وحسان هوليود!
يظهر أن التفدية والتضحية والخدمة العامة إنما تكون أثراً لقوة الروح وصحة الخلق، فإن أول من تطوع للجهاد شباب الأمة، وأول من تبرع للدفاع رجال الدين. فالحيلة في أغنيائنا إذن هي حيلة الله. هو وحده الذي يملك أن يحيل في النفوس عبادة المال عبادة للوطن، ويجعل في القلوب محبة النفس محبةً للناس
يا أغنيائنا، إنا نريد أن نحبكم فساعدونا على خلق هذا الحب. إن ديننا ينهانا أن ننفس عليكم نعمة الله، وإن وطننا يمنعنا أن نضن عليكم بأخوة الوطن؛ ولكن العقيدة والوطنية اللتين تحببانكم إلينا، هما كذلك اللتان تغضباننا عليكم! لأن الأمة تريد أن تقوي وفي نفوسكم قوتها، وتبغي أن تعتز وفي رءوسكم نخوتها، وتحاول أن تدافع وفي أيديكم ثروتها، فحرمتموها كل ذلك ووضعتموه في غير موضعه، وأضعتموه في غير سبيله؛ ثم مكنتم للجهل والفقر والمرض أن تدهمها
من كل جانب، فقعد القوي لجهله عن السعي، وفتر العالم لفقره عن البحث، وعجز الضعيف لمرضه عن الإنتاج
يا أغنياءنا - والناس أجمعون يعرفون من أعني - لقد جربتم بذل المال في اللهو، وقتل العمر في العبث، وفقد الصحة في المجون، فهل كسبتم من وراء ذلك مجداً أو وجدتم في عواقبه سعادة؟ جربوا ولو مرةً واحدة على سبيل التسلية أن تمسحوا دمعة على خد حزين، أو تنفسوا كربة عن قلب بائس، أو تسهلوا طلب العلم لفقير، أو تمهدوا سبيل العمل لمتعطل، أو تشاركوا أبناء الشعب في منفعة عامة؛ ثم انظروا بعد ذلك كيف يشيع في صدوركم الرخاء، ويرتفع بقلوبكم الإخاء، وتنعم نفوسكم في الحياتين بين عاجل المجد