السلمية؛ وكانت تقف طوال عهدها من جارتها الكبرى - الدولة الرومانية الشرقية - موقف الخصومة والتربص، فلا نقف في هذا العصر على كثير من أخبار السفارات المتبادلة بين الدولتين؛ ولكنا نجد بعد حوادث حصار قسطنطينية الأول وإخفاق الخلافة الأموية في مشروعها لاقتحام الدولة الشرقية (٥٨هـ - ٦٧٨م) سفراء الإمبراطور قسطنطين الرابع يستقبلون في دمشق بحفاوة ليعقدوا مع الخليفة الأموي (معاوية) معاهدة الصلح التي ارتضى بها معاوية أن يؤدي إلى الدولة الشرقية جزية سنوية متنوعة كانت على ضآلتها عنوان المهادنة والمسالمة من جانب الخلافة. وفي خلافة سليمان بن عبد الملك تردد على دمشق رسل الدولة الشرقية ليقفوا على أمر الأهبة الهائلة التي تتخذها الخلافة للسير إلى قسطنطينية ومحاولة اقتحامها كرة أخرى، وعاد سفير الدولة الشرقية إلى بلاك قسطنطينية يحمل عن أهبة الخلافة أروع الأخبار والروايات
ولما قامت الدولة العباسية وتوطدت أركانها، وقامت في نفس الوقت دولة أموية جديدة في الأندلس، كانت بغداد في المشرق، وقرطبة في المغرب، كلتاهما قطباً للتجاذب السياسي بين الإسلام والنصرانية. وكانت مملكة الفرنج القوية قد قامت يومئذ في الطرف الآخر من أوربا لتتزعم أمم الغرب إلى جانب الدولة الرومانية الشرقية؛ فكان ذلك عاملاً جديداً في إذكاء التجاذب السياسي بين الشرق والغرب؛ ومنذ خلافة المنصور ثاني خلفاء الدولة العباسية نرى مملكة الفرنج تحاول أن تأخذ بنصيبها في عقد الصلات السياسية مع زعيمة الإسلام في المشرق، وفي إقامة التوازن السياسي في العالم الجديد، ونرى ملك الفرنج ببين يبعث رسله إلى عاصمة الإسلام الجديدة (بغداد) في سفارة إلى المنصور. ويضع مؤرخو الفرنج تاريخ هذه السفارة في سنة ٧٦٥م (١٤٨هـ)، وتقول لنا الرواية إن السفراء الفرنجيين لبثوا مدى حين في بغداد وعادوا بعد ثلاثة أعوام إلى فرنسا يصحبهم رسل أو سفراء من قبل الخليفة إلى ملك الفرنج، ونزلوا بثغر مرسيليا؛ فاستقبل ملك الفرنج سفراء الخليفة أحسن استقبال، ودعاهم إلى تمضية الشتاء في مدينة متز التي كانت يومئذ منزل البلاط الفرنجي، ثم دعاهم للتنزه والإقامة مدى حين في قصر (سلس) على ضفاف اللوار؛ ثم عادوا بعد ذلك إلى بغداد بطريق مرسيليا أيضاً مثقلين بالتحف والهدايا. واستمرت هذه الصلاة السياسية بين الخلافة العباسية ومملكة الفرنج عصراً؛ وزادت أواصرها في عصر