للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

دفعت الموهوبين من شعراء (الأندلس) إلى اختراع (الموشحات) التي انتشرت من (الأندلس) في الخانقين، والتي أصبحت وسيلة جديدة للتعبير الشعري، ولكنه التعبير الحر المنطلق الذي لا يتقيد بوزن واحد ولا قافية واحدة، وإن اتصف بالوزن والقافية أيضاً! والذي فعله الأندلسيون قديماً فعله العراقيون في القرون المتأخرة، فأخذوا (البند) عن الشعر الفارسي وجعلوه وسيلة طريفة وطريقة جديدة للتعبير الشعري. والذي دفع الشعراء العراقيين إلى هذا الصنيع، فسبقوا إخوانهم في الأقطار العربية الأخرى، هو مجاورتهم لفارس ثم دراستهم لعيون الأدب الفارسي وروائعه الشعرية، إذ نبغ كثير من الشعراء العراقيين بنظم الشعر الفارسي إضافة إلى نبوغهم بنظمه بلغتهم القومية. ولا ننس في هذا المجال ميزة أخرى لا تقل أهمية عما ذكرنا، وهي ميزة الغناء، إذ (البند) يغني في مجالس الأنس والطرب، وصفة الغناء هذه كما دفعت العراقيين إلى اقتباس البند من الفرس؛ ودفعت الأندلسيين إلى اختراع (الموشحات) والغناء هو السبب الأول في اختراع (الكان ما كان) و (القوما) و (الزجل) الخ. . . وهذه كلها أفانين رائعة في الشعر العربي الشعبي فما هو البند إذاً في اللغة والشعر؟

جاء في (القاموس) البند: العلم الكبير وقال (الجوهري) (البند العلم الكبير فارسي معرب) وقال الشاعر القديم

(وأسيافنا تحت البنود الصواعق)

وقال الشاعر العراقي المرحوم جميل صدقي الزهاوي (إن كلمة البند فارسية الأصل وهي بمعنى العقد والربط) وذكر الزهاوي أيضاً (والبند الحلقة الوسطى بين النظم والنثر وهو مستعمل عند الفرس والترك) وجاء في كتاب (الملحق بالمعاجم العربية) لدوزى (البند مشتق من بنود الرمح وهي ألاعيب تكون بواسطة الرمح ومنها البنود الفكرية وتكون ملاعب بالبدع والفكر.) وجاء في المعجم الفارسي اللاتيني (فوليرز) (البند مشتق من (بتستند) ويراد به الرباط وكل ما يوصل به، ويطلق مجازاً على الخيال والفكر والملاحظة والتوقع.) وقال اللغوي الأب الكرملي (ومن معاني (البند) الحيلة والفن والتوصل إلى شيء باحتيال.) ومن معانيه أيضاً (البيت ينظم بعدة أبيات ويعاد وله قافية تختلف عن قوافي سائر البيوت وله رديف يسمى (بند ترجيع) و (تركيب) كما جاء في (البرهان القاطع).

<<  <  ج:
ص:  >  >>