أحبته فتاة، ولكنه تزوج غيرها وتزوجت غيره فلم يضعف هذا الحب، وهاهو ذا الآن قد مات ودفن ويلي جسمه ولكنها مازالت تحبه، لم أقو أنا على محو ذكراه، لم أقو أنا على ملء فراغ تركه بموته، نعم لم أستطع إزاء هذا الحب شيئا. .
ظل يغلي في ثورته، وظلت هي في تفكيرها الحزين المؤلم، حتى وصلا إلى الأكمة، فاتجهت إليها صاعدة، ولكن زوجها صاح بها حانقا ثائرا. .
- ليلى! إرجعي لن تصعدي
ولكنها أجابته بصوت حزين وكأنها لم تلحظ ثورته
- أتمر ليلى بقبر توبة فلا تجيبه؟ وصاح بها ثانية!
- ليلى! بربك لا تصعدي، لقد مات توبة ولن تجديه تحيتك شيئا.
وصدمتها كلماته صدمة عنيفة. لقد مات توبة ولن تجديه تحيتي! كلا كلا توبة لم يمت! إن روحه حية، إن صوته مازال يرن في إذنيها، فلو أن ليلى الاخيلية سلمت لسلمت. . نعم سيسلم علي، سيجيب.
لم تجبه واستمرت في طريقها صاعدة، ناداها، فلم تجب، وتوسل إليها فلم تسمع، وهددها فلم تحفل له، إن توبة يدعوها من فوق الأكمة ولن يصدها عن دعوة توبة أحد.
وقفت جانب القبر خاشعة حزينة مضطربة تنصت لدقات قلبها وقد خيل إليها أن صداها يملأ السهل، لم تكن تحس الا أن توبة هنا، فهذا قبره حيث رقد من زمن. إن روحه تملأ المكان وصورته تملأ عينيها، وصوته يرن في إذنيها، ستناديه
وسيجيب، ولكن لم تقو على فتح فمها. . تجلدت قليلا قليلا ثم استطاعت أن تفتح فاها، وأخيرا أن تقول همساً:
- السلام عليك يا توبة.!
وأنصتت الإذن وظلت هكذا مرهفة، كل ما فيها يترقب، لقد أحست أنها معلقة من علو شاهق ستهبط منه بعد حين. ولكن الصمت طال وبدأت تعود إلى نفسها رويدا، بدأت تحس أن دبيباً موجعاً هو دبيب اليأس. توبة لم يجب! أخذت شفتاها تلفظان دون أي صوت: توبة لم يجب. . ثم التفتت إلى القوم في صوت يائس مخزون وكأنها تحدث نفسها: