للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ميناء عكا، وهي قسطنطينية الفرنج ودار كفرهم، أبدلها الله من الكفر إسلاما، وخلع عنها الشرك البالي، وخلع عليها من التوحيد أعلاما؛ فما هي إلا أن حذفت والجة على الميناء وفيه المراكب والبضائع، فاستولت على المراكب تحطيما وتكسيرا، ونطاحا يقلقل ولو كان ثبيرا، وأخلت ساحل الفرنج بقتالها، وباشرت مثل المساء بنزولها ونزالها، وهذا مما لم يعهد من الأسطول الإسلامي مثله في سالف الدهر، لا في حالة قوة إسلام ولا ضعف كفر.

وفي مرة أخرى أغار على بيروت فسبي منه وعاد بالغنائم وحيناً يساعد الجيش البري فيشغل العدو بالقتال، كما حدث في معركة طبرية، وإذا كان الأسطول المصري قد كسر أمام صور فليس ذلك راجعاً إلى الغفلة رجاله في الليل، وكأنهم كانوا شديدي الثقة بأنفسهم فأنتهز الفرنج هذه الغفلة وخرج أسطولهم في الليل، فأسر الفرنج مقدمي الأسطول المصري وقتلوا خلقاً عظيما، وأخذوا منه خمس قطع، ولم يؤثر ذلك في قوة الأسطول الذي أستعاد مركزه، وأخذ مكانه في معركة عكا، وقد ألقي عليه في هذه المعركة عبء كبير؛ ففي سنة ٥٨٥ يستدعيه صلاح الدين ليعينه على أخذ المدينة، فتسرع إليه خمسون قطعة مع القائد لؤلؤ، تنقض فجأة على أسطول الفرنج فتبدده، وتضفر ببطستين كبيرتين بما فيهما من أموال ورجالهم، وقويت نفوس أهل عكا بوصول الأسطول، وقى جنانهم وأرسل صلاح الدين الذي يطلب مدداً جديداً من الأسطول، فعني الفرنج بتعمير أسطولهم لقتاله ومنعه من دخول عكا، واشتد أسطول صلاح الدين في قتال أسطول العدو، وسار الناس على جانب البحر تقوية للأسطول وإيناساً لرجاله، والتقى العسكران في البر والأسطول في البحر، وجرى بينهما قتال شديد انتهى بانتصار الأسطول المصري، واخذ من العدو الشواني، وقتل به ونهب جميع ما فيه، وظفر من العدو بمركب أيضاً كان واصلاً من قسطنطينية، ودخل الأسطول المنصور عكا، وكان قد صحبه مراكب من الساحل فيها ميرة وذخائر، وطابت قلوب أهل البلد، وانشرحت صدورهم؛ فإن الصاعقة كانت قد أخذت منهم.

ولما أشتد الأمر بعكا وأدار الفرنج مراكبهم حولها حراسة لها من أن يدخلها مراكب المسلمين، وقويت حاجة من فيها إلى الطعام والميرة، ركب جماعة من المسلمين في بطسة، وتزيوا بزي الفرنج، حتى حلقوا لحاهم، ووضعوا الخنازير على سطح البطسة بحيث ترى من بعد، وعلقوا الصلبان واستطاعوا بهذه الحيلة دخول عكا سالمين. وفي مرة أخرى قدمت

<<  <  ج:
ص:  >  >>