إلى المحاصرين من مصر ثلاث بطس مشحونة بالأقوات والميرة وجميع ما يحتاج إليه في الحصار بحيث يكفيهم ذلك طول الشتاء، وقد فني الزاد ولم يبقى عندهم ما يطعمون، فلما دنت من عكا خرج إليها أسطول العدو يقاتلها، ولكنها استطاعت أن تفلت وتصل سالمة إلى عكا، وتلقاهم أهلها تلقي الأمطار بعد الجدب وامتاروا ما فيها، وحاول الفرنج وهم يحاصرون عكا حرق الأسطول المصري بها، والاستيلاء على برج الميناء حتى يحرسوه، ويحولوا دون دخول المراكب بالميرة إلى المدينة، فأعدوا بطسة ببرج مملئوها حطبا يشعلونه نارا ويلقونه على برج الميناء لقتل ما فيه وأخذه - وبطسة ثانية ملئوها حطباً ووقوداً على أن يدفعوا بها، حتى تدخل بين البطس الإسلامية، فيلهبوا الوقود فيحرق البطس الإسلامية، ويهلك ما فيها من الميرة، وجعلوا في بطسة ثالثة مقاتلة تحت قبو، بحيث يكونون تحت في مأمن لا يصل إليهم أذى سلاح، فأذ أرادوا إحراقه دخلوا تحت ذلك القبو فأمنوا، ولكنهم ما كادوا يشعلون النار، حتى أنعكس الهواء عليهم، أما البطسة التي كانت معدة لإحراق البرج فإنها احترقت بأسرها، وهلك من كان فيها من المقاتلة إلا القليل، وكذلك احترقت البطسة التي كانت معدة لإحراق الأسطول المصري ووثب المسلمون عليها فأخذوها. وأما ذات القبو فقد أنزعج من فيها وخافوا وهموا بالرجوع، واضطربوا اضطراباً عظيما، فانقلبت وهلك جميع من كان بها، لأنهم كانوا في قبو لم يستطيعوا الخروج منه.
وحاول الأسطول مرة أخرى دخول الميناء يحمل إليها الميرة فتحطم بعضه على صخور الميناء، لاضطراب البحر واشتداد هيجانه. وكان فيه من الميرة مما لو سلم لكفى البلد سنة كاملة وكان هذا سببا من أسباب سقوط عكا. وحاول صلاح الدين أن يرسل بطسة كبيرة مشحونة بالالآت والأسلحة والميرة والرجال والأبطال المقاتلة، حتى تدخل البلد مرا غمة للعدو، وكان عدة رجالها المقاتلة ستمائة وخمسين رجلا، فأحاط بها العدو من جميع جوانبها واشتدوا في قتالها، وجرى القضاء بأن وقف الهواء فقاتلوها قتالاً عنيفاً، وقتل المن العدو عليها خلق كثير، وأحرقوا للعدوا شينياً كبيراً فيه جند كثير هلكوا جميعاً، ولكن العدو تكاثر على أهل البطسة، وكان مقدمهم رجلاً شجعان مجربا يقال له: يعقوب، من أهل حلب، فلما رأى أن الدائرة ستدور عليهم صمم هو ومن معه ألا يسلموا من هذه البطسة شيئاً. فأعملوا معاولهم فيها ففتحوها من كل جانب فامتلأت ماء وغرق جميع من فيها وما فيها، ولم يظفر