العدو منها بشيء. وتلفف العدو ومن كان فيها، وخلصوه من الغرق وأرسلوه إلى المدينة ليخبرهم بالواقعة.
وظل الأسطول المصري طول عهد صلاح الدين قائماً بواجبه يغير على أسطول الفرنج، ويقتل من رجاله، ويأسر ما شاء منهم ويستولي على مراكبه.
ولم يقف جهاد الأسطول في عهده على حزب الفرنج بالبحر الأبيض فقط، كنت له وقفات حاسمة في البحر أيضا، دافع فيها الفرنج عن الأراضي المقدسة بالحجاز؛ ذلك أن صاحب الكرك وهو من ألد أعدا المسلمين وأشدهم نكاية فيهم، فكر في مهاجمة المسلمين في البحر الأحمر ظناً منه أنهم غير مستعدين فيه، وتأديباً لحماية أيلة التي كنت تغير عليه، ولا سبيل له عليها لأنها تقيم بقلعة في وسط البحر، فبنى سفنا، ونقل أخشابها على الجمال إلى الساحل، وجمعها في أسرع وقت، وشحنها بالمحار يبن وآلات القتال، وسارت السفن وقد افترقت فرقتين، أقامت إحداهما على حصن أيلة يحصرونه ويمنعون أهله من ورود الماء، فأصاب أهله شدة وضيق، ومضت الثانية، وهي فرقة فدائية إلى عيذاب، وأفسد جندها في السواحل، ونهبوا، واخذوا ما وجدوا من المراكب الإسلامية، ومن فيها من تجار، وفاجئوا الناس منهم على حين غفلة منهم، فإنهم لم يعهدوا بهذا البحر فرنجياً ولا محارباً وأرادت الفرقة أن تقطع طريق الحج، فقد كانت الغزوة في شهر شوال سنة ٥٧٨، وأن تمضي إلى المدينة المنورة لتنبش قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وتنقل جسده الشريف إلى بلادها، وتدفنه عندها، ولا تمكن المسلمين من زياراته إلا بجعل؛ وسارت الفرقة إلى بلاد الحجاز، وجاء الخبر إلى مصر وبها الملك العادل أخو صلاح الدين، فأمر قائد الأسطول وهو الحاجب لؤلؤ أن يتتبع هؤلاء الغزاة، فانقض على محاصري أيلة انقضاض العقاب، فقاتلهم فقتل بعضهم وأسر الباقي، ومضى تواً إلى شاطئ الحجاز، فوجدهم قد أوغلوا في طريق المدينة حتى لم يبقى بينهم وبينها إلا مسافة يوم، فمضى خلفهم على خيل أخذها من الأعراب وحاصرهم هناك في شعب حتى استسلموا، فقتل أكثرهم، وأرسل بعضهم إلى منى لينحروا بها، عقوبة لمن رام إخافة حرم الله تعالى وحرم رسوله، وعاد الباقين إلى مصر، فكان لدخولهم يوم مشهود، وأرسل صلاح الدين إلى أخيه العادل بأمره بقتل أسراره، وبقول له على لسان القاضي الفاضل: وهؤلاء الأسارى قد ظهروا على عورة الإسلام كشفوها