وتطرقوا بلاد القبلة وتطوفوها. . . ولابد من تطهير الأرض من أرجاسهم، والهواء من أنفاسهم، بحيث لا يعود منهم مخبر يدل الكفار على عورات المسلمين. ويظهر أن العادل كان من رأيه الإبقاء عليهم فكتب إلى أخيه بما رآه، ولكن صلاح الدين لم يغير رأيه فيهم فكتب إلى العادل يقول له:(وليس في قتل هؤلاء الكفار مراجعه، ولا للشرع في إبقائهم فسحة ولا في استبقاء واحد منهم مصلحة، ولا في التغاضي عنهم عند الله عذر القبول، ولا حكم الله في أمثالهم عند أهل العلم بمشكل ولا مجهول، فليمض العزم في قتلهم، ليتناهى أمثالهم عن فعلهم، وقد كانت عظيمة ما طرق الإسلام بمثلها)؛ غير أن العادل والسياسة جزء من عناصره لا يسرع إلى قتلهم بل يراجع أخاه كرة أخرى، فيرد عليه بالقول الفصل: قد تكرر الفناء في معنى أسارى بحر الحجاز، فلا تذر على الأرض من الكافرين دياراً، ولا نوردهم بعد ماء البحر إلا ناراً فأقلهم إذا بقى جنى الأمر والأصعب، ومتى لم تعجل الراحة منهم وعدت العاقبة بالأشق الأصعب، فلم يبق بعد ذلك مجال للمراجعة وقتل الأسرى، وتولى قتلهم الصوفية والفقهاء وأرباب الدينانة.
هذا وكان للأسطول المصري في البحر الأحمر الفضل في بلاد اليمن على يد توران شاه أخي صلاح الدين فهو الذي حمل الأزواد والعدد ولآلات إلى تلك الديار.
ورأينا الأسطول المصري في عهد العادل يظفر بالفرنج سنة٥٩٣ ويعود القاهرة غانما سبعين فارساً بذل أحدهم في فدائه ثمانين ألف دينار، ويعود من الغزو في السنة التالية حاملا معه أربعمائة وخمسين أسيراً.
وكان للأسطول المصري أثر حاسم في معركة المنصورة الأولى في عهد الكامل سنة ٦١٧، وكان عدد شواني المسلمين مائة قطعة والمعركة الثانية سنة ٦٤٧، تلك التي انتهت بهزيمة الغزاة من الفرنج، فإن صالح أيوب ما كان يدخل المنصورة، حتى قدمت الشواني المصرية بالعدد الكاملة والرجالة؛ فلما مات وعسكر الصليبيون أمام المنصورة كانت الميرة ترد إليهم من دمياط في النيل، فصنع المسلمون عدة مراكب، وحملوها وهي مفصلة على الجمال إلى بحر المحلة، وطرحوها فيه وشحنوها بالمقاتلة، فلما جاءت مراكب الفرنج خرج عليها تلك المرغبة بغتة، وقاتلتها وقدم الأسطول المصري من المنصورة، فأخذ مراكب الفرنج أخذاً وبيلا، وكانت اثنتين وخمسين مركباً وقتل منها وأسر نحو ألف