والواقع أنه هذا الظمأ إلى دراسة هذه الناحية الاجتماعية في العقيدة الدينية قد ألهم الكثير من رجال الفكر الأوربي والأمريكي لكتابة بحوث مماثلة لهذه التي صدرت مؤخراً في العالم الإسلامي.
ولكن الفارق الرئيسي بين بحوث هؤلاء الغربيين وبين معالجات المسلمين هو افتقار الأديان السماوية الأخرى إلى التعاليم الدنيوية التي تنظم الحياة الاجتماعية. هذه التعاليم التي يزخر بها القرآن الكريم والحديث الشريف واجتهاد الأئمة المسلمين. وهذا فارق يبسط دراسة الناحية الاجتماعية في الإسلام لا على أساس من الاقتباس والاستعارة ولكن بالمقارنة وإعادة تفسير التعاليم الإسلامية وتطهيرها من الباطل الذي علق بها زوراً وبهتاناً دون مساس بالعقيدة والجوهر، وفي لغة يفهمها أهل هذا العصر.
إذن فهدفنا الرئيسي هو التعرف على علاقة الدين بالظواهر الاجتماعية. ولعل في ذلك ما يساعدنا على تفهم المغزى الجليل النفع في السلوك الديني ويوفر لنا أضواء نلقيها على عظمة الروحانية التي يحمل لواءها الدين والتي تواجه هذا التحدي من عناصر المجتمع العربي هذه الأيام.
ويجب أن نقرر في هذه المرحلة من الحديث أن الدين لم يمت ولن يموت، لسبب بسيط وهو أن السلوك الديني تعبير عن الغريزة الدينية الكامنة في أنفسنا جميعاً. والغريزة لا تموت دائماً بل تنطمر في بعض الحالات تحت ركام من العقد النفسانية والمشاكل الدنيوية. فإذا توفر لها من يزيل عنها هذا الركام برزت صافية جلية تبعث في الفرد وفي المجتمع الطمأنينة الحقة وهي سر السعادة والهناء في عالم قلق مضطرب.
فاتجاه بعض المفكرين إذن إلى دراسة الإسلام على ضوء علم الدين الاجتماعي هو نتيجة حتمية لموجة الاضطراب الفكري التي تعتري بعض المسلمين من أصحاب الثقافة الغربية في هذه الآونة - وبعض هؤلاء ابتعدوا عن الدين لا بدافع التحامل الأعمى أو الإلحاد ولكن لمجرد افتقار برامج التعليم إلى المواد الدينية بقسط أوفر من القسط الذي تحظى به هذه البرامج الآن، وافتقار الحياة الفكرية كذلك إلى بحوث علمية تدرس الدين على أسس من المناهج المستحدثة.
فالمشكلة إذن مشكلة جهل وليست مشكلة إلحاد، وإن كان الجهل في بعض الحالات يكون