ولست أدعي أبداً أن دراسة الناحية الاجتماعية في الدين الإسلامي تغني عن متابعة الاجتهاد في علوم الفقه والشريعة وأصول الدين على النحو الذي تقوم به معاقل الإسلام في الأزهر وغير الأزهر. فالحقيقة أن علم الدين الاجتماعي متمم لعلوم الفقه والشريعة وأصول الدين. فالدراسة الدينية تبرز الجوهر وتشرب التفاصيل وتفسر ما استعصى على بعض الناس فهمه من ألوان الروحانية التي يحملها الدين، والدراسة الاجتماعية للدين تشرح صلاح هذا الجوهر وهذه الروحانية لاحتضان المستنجد المفيد من التفكير السياسي والاقتصادي المعاصر. والبارزة الفريدة في الإسلام أن كلتا الناحيتين متمازجتان في صورة متماسكة متشابكة الأمر الذي يورد بعض الكتاب موارد الزلل في معالجتهم لهم بالتماسك وهذا التمازج.
والخروج من هذا الإشكال يستوجب على الباحث أمرين:
١ - اختيار صادق للعقيدة والإيمان وما يستتبع ذلك. طمأنينة وسمو نفساني ونزاهة في التفكير والمقصد.
٢ - إدراك للمشاكل الاقتصادية والسياسية التي تعيش نفسية رجل العصر الحاضر وفي مجتمعه.
وللباحث أن يدرك كذلك الفرق بين العقيدة والإيمان وفلسفة الحياة الروحية، وبين النظرة الواقعية لمجرى الشؤون الدنيوية والسلوك الإنساني.
فليس هناك صدق علمي فيما يحلو للبعض الكتابة عنه هذه الأيام (كالاشتراكية في الإسلام) و (الشيوعية في الإسلام) وغير ذلك من عناوين؛ وإنما هنالك مجال للبحث بين علاقة التعاليم الإسلامية بالمشكلة الاجتماعية أو الفكرة السياسية وما شابه ذلك من مظاهر النشاط الإنساني.
فالاشتراكية والشيوعية نظم سياسية واقتصادية، والدين عقيدة وإيمان فوق أية دستور للنشاط الإنساني. والخلط بين الاثنين قصور عن فهم العقيدة وافتقار إلى اختيار الإيمان وعجز عن تفهم ما انطوت عليه تلك النظم الاقتصادية من أسس قد لا تنطبق على كل مجتمع في كل صعيد.