فعلم الدين الاجتماعي لا يجوز أن يكون وسيلة لتنفيذ برنامج معين من برامج الإصلاح السياسي والاقتصادي؛ والترويج لها من مقتبسات القرآن والحديث والاجتهاد، وإلا فقد الدين مزيته الرئيسية وأصبح كبرامج الأحزاب السياسية يتجدد ويتبدل بتبدل الأوضاع والملابسات.
فقبل أن تنشأ الماركسية نشأت نظم سياسية واقتصادية واجتماعية عديدة تحدى بعض مروجيها العقيدة الدينية واتهموها بأنها عائق في وجه الإصلاح. ثم اندثرت تلك النظم أو تطورت إلى نظم أخرى. وبقيت العقيدة الدينية كامنة في قرارة السلوك الإنساني تحفظ الحياة وقيمها الرفيعة في خضم القلق والثورات والحروب، وتلهم الناس أسباب الطمأنينة والثقة بالعدالة الإلهية وبالاستقرار النفساني والاجتماعي. ويحب كاتب هذه السطور أن يذكر على سبيل المثال أنه اشترك في جامعة كولومبيا في نيويورك في السنة الماضية في حلقة دراسية عالجت تطور التفكير في أمريكا في فترة ما بعد الحرب فتبين لأعضاء الحلقة أن الكتب الدينية هي من أكثر المنشورات رواجاً في عالم ما بعد الحروب - رواجاً أثبتته إحصاءات الكتب الرائجة التي تنشرها الصحافة الأمريكية بانتظام.
فالنظم السياسية والاقتصادية كالماركسية مثلاً أسلوب في الحياة يستمد مبادئه من الظواهر الاجتماعية وهذه الظواهر تتأثر بالظروف والأوضاع المتقلبة بينما الدين غريزة متأصلة في قرارة النفس كغريزة الأكل واللعب. قد يأتي عليها حين ترسب خلاله إلى الحضيض لفترة قصيرة، ولكن لا مفر لها من أن تجد سبيلها إلى الشعور الواعي في الأحيان الكثيرة.
على أن هناك أموراً أخرى لا مفر من إقرارها ما دمنا بصدد الكلام عن منهج البحث منها:
١ - إدراك الباحث والقارئ معاً واعترافهما بحقيقة الاختبار الديني وقوة الإيمان والمتعة الروحية والتطور التاريخي الذي صاحب ولا يزال يصاحب التعبير عن هذا الاختبار وعن هذه المتعة. وهذا الاختبار إن كان يتنوع في وسائل روحانياته بين مختلف الأديان السماوية إلا أنه اختبار على كل حال يشترك فيه كل مؤمن.
والتنوع في اختبار المتعة الروحية يستند أولاً: إلى الاختلاف في جوهر العقيدة (كما هو الحال بين الإسلام والبرهمانية مثلاً حيث يجد بعض البرهمانين المتعة في إيلام الجسد). وتستند ثانياً: إلى اختلاف التطور الفكري بين الشعوب وطبيعة أوضاعها التاريخية