والجغرافية والحضرية. فإذا كان المسيحي الصادق في أمريكا مثلاً يخرج من صلاة الأحد طاهر القلب صافي الذمة ليذهب ويلعب ويعاقر الكأس وهو في حل من الإثم والمعصية فإن المسلم لا يصح له ذلك، فاختبار المسلم لروحانية الدين تنفي كل ذلك. والتطور التاريخي والفكري في أمريكا أصبح يحول بين المتعة الروحية في الكنيسة وصفاء نفس المؤمن صفاء صادقاً وبين انعكافه وهو في هذا الصفاء على احتساء كأس من الخمر والتسلي بلعب الورق.
ومثل هذا تنوع جوهري لا يفطن له الذين يعالجون الناحية الاجتماعية في الإسلام على ضوء ما استوحوه من التفكير الغربي ولعل ذلك يفسر التباس الأمر عليهم في بعض أوجه العلاقة بين الإسلام والمشاكل الاجتماعية
٢ - دراسة الظواهر الدينية كما تبدو في المجتمع. وهذا يتطلب تجرداً علمياً ينفذ إلى الصميم. لا يأخذ بقشور هذه الظواهر وإنما ينفذ إلى اللباب الذي كثيراً ما تتراكم عليه ألوان من العرف والعادات والتقاليد التي ليست من أصوله ولا هي من جوهره. ولعل التحامل الذي يصدر عن بعض مفكري الغرب في دراستهم للدين الإسلامي يعزى إلى فقدان هذا التجرد والعجز في إزالة الركام عن لباب الظواهر الاجتماعية. وهذا أيضاً خطأ يأخذ به بعض المحدثين من المسلمين أنفسهم إذا ما حاولوا معالجة السلوك الديني في المجتمع الذي يعيشون فيه.
٣ - توزيع العمل في الدراسة العلمية: فالباحث في علاقة الدين بالمشاكل الاجتماعية لا بد وأن يكون ملماً بكلا الموضوعين إلماماً واسعاً. فالاقتصادي الذي يكتب عن الاقتصاد في الإسلام لا ينبغي أن يقتصر على ذخيرته في علم الاقتصاد وإنما يترتب عليه أن يلم إلماماً دقيقاً بهذا التراث الضخم من الشريعة الإسلامية وهو تراث ينفق الناس فيه السنوات في التعرف على بعض ألوانه. وقل مثل ذلك عن رجال الدين الذين يعالجون المسائل الاقتصادية العميقة من وجهة النظر الدينية.
ووجه القصور في بعض من كتب (الشيوعية في الإسلام) أو (الاشتراكية في الإسلام) أو (العدالة الاجتماعية في الإسلام) أنهم ادعوا ما ليس لهم به علم كاف. فالاشتراكية مثلاً مزيج من فلسفة واقتصاد وسياسة ودراسة اجتماعية وهي أدق وأعقد من أن تؤخذ في