في مدارسنا مشوهة ملفقة ويلقنها أبناؤنا كما صنعها الإنجليز وأعوانهم.
فأحمد عرابي (زعيم مفترى عليه) من غير شك، كأخس وأشنع ما يكون الافتراء، ولقد استطاع الأستاذ محمود الخفيف أن يدفع هذا الافتراء بقوة الحجة وسلامة المنطق وسلاسة البيان ودلالة الروايات الثابتة والوثائق الصحيحة، فجاء كتابه هذا إنصافاً للحق والتاريخ، وجهداً للوطن ولمصر، وتصحيحاً لخطأ غرسته الدعاية المغرضة في الأذهان، ودرساً وطنياً قومياً لأبناء هذا الوادي وإنهم اليوم لأشد ما يكونون حاجة إليه، ولهفة عليه، ويقيني أن هذا الدرس سيظل (إنجيلا) يرتله المصريون جيلا بعد جيل مادام فيهم روح الاعتزاز بكرامتهم وبقوميتهم.
تناول المؤلف في كتابه سيرة عرابي، فدرج معه وهو طفل في القرية، وسايره حتى شب ودخل في غمار الحياة، ثم انتقل معه إلى ميدان الجندية، وأخذ يتتبع خطوات ذلك الجندي المتمرد على الظلم، الغاضب لكرامته وكرامة قومه ووطنه، حتى استطاع أن يحطم معقل الطغيان، وأن يأخذ الأمر بين يديه فأصبح (رجل الأمة) و (ملاذ البلاد)، ثم يوضح لك بعد ذلك ما اعترض (أماني المصلح) من (مراوغة وتربص) و (إعنات وإحراج) و (بغي وعدوان)، وبعد أن يمثل أمامك تلك المشاهد بجميع مجاليها وما اكتنفها من (دسائس ومخاوف) ينتقل بك إلى صميم المأساة، فيحدثك عن (مأساة الإسكندرية) وما وقع فيها من (العدوان الفاجر)، ثم يسير بك مع (عرابي بطل الجهاد) ومواقفه في (كفر الدوار) و (التل الكبير)، وأخيراً ينتهي بك إلى نهاية المأساة الأليمة، وما تم فيها من سجن العرابيين، ثم ما جرى من المهازل في محاكمتهم ونفيهم إلى سرنديب، وحياتهم في ذلك المنفى السحيق، وفي الخاتمة يقف مع الزعيم الوطني في أيامه الأخيرة بعد ان عاد من المنفى حتى قضى نحبه (وأصبح في ذمة الله ودخل في سجل التاريخ ولم يكن لدى أولاده من المال ما يكفي لتجهيزه ودفنه، فاضطروا إلى عدم إعلان نبأ وفاته إلى اليوم التالي حتى قبضوا معاشه)، ثم شيعوه إلى مقره الأخير، فلم يمش في جنازته رجل رسمي واحد أو يحضر مأتمه، وإنما شيعته أمة أبية، وشعب تنطوي جوانحه على الوفاء لرجاله العاملين.
وأنت تستطيع أن تسمي هذا الكتاب سيرة زعيم وتاريخ ثورة بما تضمنه من تحقيق تاريخي صحيح وعرض دقيق لجميع الوقائع والمشاهد ودراسة لجميع الوثائق والمقابلة بين