يكتف بذلك، بل عكف على دراسة الطب وقراءة الكتب المصنفة فيه، ويقول عن (نفسه) في هذا (ثم رغبت في علم الطب وصرت اقرأ الكتب المصنفة فيه، وعلم الطب ليس من العلوم الصعبة، فلا جرم أنني برزت فيه في اقل مدة، حتى بدأ فضلاء الطب يقرأون على علم الطب؛ وتعهدت المرضى فانفتح علي من أبواب المعالجات المقتبسة من التجربة ما لا يوصف) واشتهر كثيرا في هذا العلم وطار اسمه في الآفاق حتى دعاه الأمراء لتطبيبهم، ووفق في مداواة الأمير نوح والأمير شمس الدولة، والأمير علاء الدولة ونجح في معالجتهم فسروا منه كثيراً وأنعموا عليه وفتحوا له خزائنهم ودور كتبهم، وفي هذه وجد مجالا كبيراً لتتم دراساته وللتعمق في مختلف فروع المعرفة، ويقال إن ابن سينا لم يكن منقطعاً انقطاعاً تاماً للعلم والتأليف، بل كان في كثير من الأحايين يعين والده في أعمال الدولة
وبعد وفاة والده (وكان إذ ذاك في الثانية والعشرين من عمره) ترك بخارى ورحل إلى جرجان حيث كان يقطن فيها رجل اسمه ابو محمد الشيرازي اشتهر بميله وشغفه بالعلم، فتعرف إليه ابن سينا وقويت بينهما وشائج الصداقة حتى اشترى الشيرازي للشيخ داراً في جواره وأنزله فيها، وفيها ألف الشيخ الرئيس كثيراً من مؤلفاته القيمة: ككتاب القانون الذي هو من أهم المؤلفات الطبية ومن المؤلفات النادرة التي تشمل على أساس علوم الطب، وقد بقى كتاب القانون منهلا عاماً يستقى منه الراغبون في الطب قروناً عديدة. ولم تطل إقامة الشيخ كثيراً في جرجان (لاسباب سياسية) بل اضطر إلى تغير موطنه مراراً، فاتى همذان حيث استوزره الأمير شمس الدولة، ولكن الظروف حالت دون بقائه كثيراً في الوزارة فان الجند طلبوا قتله، ولم يرض بذلك الأمير وأنقذه منهم بعد عناء، وبعد وفاة الأمير شمس الدولة وانتقال الملك إلى ابنه كاتب ابن سينا سرا علاء الدولة أمير أصفهان (لأعراض شمس الدولة عنه) يطلب الانضمام إلى جانبه، واكتشفت هذه المكاتبة وعوقب من أجل ذلك بالسجن، ولكن بعد عدة أشهر قضاها فيه فر إلى اصبهان حيث رحب به الأمير علاء الدولة، وبقى في معيته إلى أن وافته منيته في همذان، وكان قد رجع اليها مع علاء الدولة في احدى غزواته لها.
آثاره
قسم ابن سيناء العلوم في كتاب الشفاء إلى ثلاثة أقسام: