(والناس قد تنازعوا في كلام الله نزاعاً كثيراً والطوائف (الكبار) نحو ست فرق - وأن الناس في كلام الله مضطربون وقد بلغوا فيه إلى سبعة أقوال)
ولقد كان مثار خلاف العلماء في تحقيق كلام الله وحدوثه وقدمه، لأنهم رأوا قياسين متعارضين في النتيجة وهما:
١ - كلام الله صفة له وكل ما هو صفة فقديم، فكلام الله قديم
٢ - كلام الله مركب من حروف وأصوات مرتبة متعاقبة في الوجود، وكل ما هو كذلك فهو حادث، فكلام الله تعالى حادث. من أجل ذلك اضطروا إلى القدح في أحد القياسين ضرورة امتناع حقيقة النقيضين: فذهبت كل طائفة إلى صحة بعض المقدمات والقدح في الأخرى؛ فالأشاعرة والحنابلة ذهبوا إلى صحة القياس الأول، والمعتزلة قدحت في الصغرى منه، والكرامية قدحت في الكبرى. والمعتزلة والكرامية ذهبوا إلى صحة القياس الثاني، والأشاعرة قدحوا في الصغرى منه، والحنابلة قدحوا في الكبرى. وثم آراء متباينة لطوائف أخرى كالكلابية والسالمية وبعض الفلاسفة كابن سينا ومن على رأيهم من المتصوفة والشيعة، وهذا كله غير مذهب السلف الذي أشرنا إليه في أول كلمتنا. ومن يرجع إلى كتب الكلام الكبيرة وكتب الملل والنحل يجد تفصيل هذا الخلاف ومعترك هذا النضال
وقد كان من قول أبي الحسن الأشعري أن كلام الله يطلق إطلاقين، كما هو الشأن في الإنسان، فالإنسان يسمى متكلما باعتبارين، أحدهما بالصوت، والأخرى (بكلام النفس) الذي ليس بصوت ولا حرف)
وقد قال شيخنا الأستاذ الإمام محمد عبده:(ليس النزاع في (الكلام اللفظي فإنه حادث باتفاق)، وإنما النزاع في إثبات (الكلام النفسي))، وأبان أن الأشعري لم يثبت الكلام النفسي إلا لترويح ظواهر النصوص الدالة على أن القرآن كلام الله غير مخلوق، وإن قوله هذا ليس إلا زيادة قول في المسألة من غير فائدة. ثم ناقش ما استندوا إليه في إثبات الكلام النفسي واستشهادهم بقول الأخطل: إن الكلام لفي الفؤاد الخ. فقال رضى الله عنه: (فليس الكلام لغة أو عرفا ما هو في الفؤاد كما زعموا في قول الشاعر أن الكلام لفي الفؤاد الخ. فالقرائن قائمة على أنه ليس المراد منه الإخبار بأن الكلام هو الصور الخيالية التي يعقبها