النار المحرقة التي لا مناص له من اصطلائها بحكم عمله وطبيعة اتصاله ببيئته
لقد تدبرت هذه النواحي التي من أجلها يلام الأزهر ومن قبلها يؤتي، فوجدت أهمها عقيدة الأزهر في نفسه وأسلوب الدراسة فيه.
فالأزهر مازال - على الرغم من بزوغ شمس الإمام المراغي في أرجائه - يدير حركته الفكرية على نحو من التعصب الجامد لكل ما يعلم، والرفض الجامد لكل ما يجهل. وما يزال فيه من يقول: كفر فلان، وألحد فلان، وتزندق فلان، لأنه أخذ برأي غير مألوف، أو خالف شيئا قال به إمام من الأئمة السابقين!
وليس هذا التكفير والحكم بالفسق والزندقة شيئاً يرمى به غير الأزهريين فحسب، ولكن للأزهريين منه نصيباً غير قليل! وإنك لتري غباراً يتطاير وشرراً يلمع، وتسمع دوياً يملأ أذنيك وضجة تدور من حولك، فتقول لنفسك هذه معركة علمية قد احتدمت، ولا بد أن تنجلي عن حقيقة يحسن السكوت عليها كما يقولون، أو عن فكرة إصلاحية تفيد منها الأمة فائدة تحفظها لرجال الأزهر
ويصدق ظنك من بعض نواحيه، فإذا هو عراك ولكن في غير معترك، وشجار ولكن في غير مشتجر، ثم تنجلي هذه المعركة كما بدأت، فلا الحقيقة العلمية وصلت إليها، ولا الأمة أفادت ما كان ينبغي أن تفيد؛ بل قل إنها تنجلي عن حالة هي أسوأ مما بدأت. فإذا كانت المعارك الحقيقية تسفر في كثير من الأحيان عن كذا من القتلى، وكذا من الجرحى؛ فإن معاركنا الأزهرية تسفر كذلك عن كذا من الكفرة، وكذا من الفسقة، وكذا من الجهلة. . . الخ
لست مبالغاً، أيها القارئ، وإنها للحقيقة المرة
لقد قال بعض العلماء رأياً في (الشيطان) في حديث له أذاعه بالراديو، خلاصته: أن (الشيطان) قد ورد ذكره في القرآن على أساليب شتى، وأن المعنى المشترك في كل الآيات التي عرضت للشيطان، أنه قوة الشر وعنصر الفساد في هذا الوجود
وهذا الرأي الذي يدل على تفكير ناضج وعقل رشيد، ويلتئم مع أحدث الآراء العلمية الصحيحة، ولا يعارض في نفس الوقت شيئاً صريحاً من الدين - لا يمر كما يمر سائر الكلام، ولكن يوقف عنده، لا ليشكر صاحبه على توفيقه بين نصوص الدين وآراء العلم، ولكن ليُتهم بمخالفة النصوص، وإنكار ما في القرآن، والخروج على الأحاديث!