ولولا أن صاحب الرأي رجل قوي، محترم الرأي، مرموق المكانة، لا يؤكل لحمه، لترددتْ في هذا المجال كلمات الإلحاد، والفسوق، والزندقة، والمروق، ولكن الله سلم!
على رسلكم أيها السادة! لماذا تفرضون دائماً في كل من يخالفكم في الرأي أنه سيئ النية، متهم الغرض؟ ولماذا تفرضون دائماً في أنفسكم أنكم قد وصلتم في كل ما زعمتم إلى الحق، فتدخلون في كل بحث وكل نقاش على هذا الأساس ومع استحضار هذه الفكرة
وعمن أخذتم هذه الطريقة؟ أعن كتاب الله، وهو الذي يعظم شأن البرهان ويحكم العقل في كل شئ حتى في الإيمان بالله وينهى عن التنابز بالألقاب؟
أم عن الرسول صلى الله عليه وسلم وقد كان المثل الأعلى في حلمه وسعة صدره وصبره على الحوار والجدال؟ ألم يكن الأعرابي الجلف يأتيه فيناديه باسمه المجرد، ويغلظ له في القول، ويعنف عليه في السؤال، فلا يفسد ذلك من حلمه، ولا يوهن من صبره؟
فإذا لم تكونوا قد أخذتم هذه الطريقة عن الله ورسوله فعمن أخذتموها؟ أعن علماء السلف ورجال المذاهب الأولين الذين كانوا يتناقشون ويتحاورون ويرجع بعضهم إلى رأي بعض، ويخالف بعضهم بعضاً، فلا يدفعهم ذلك الخلاف إلى تجريح أو تكفير؟
أم أخذتموها من كتب البحث والمناظرة التي قتلتموها بحثاً وأفعمتموها شرحاً، ولست أذكر أن فيما رسمت من أساليب الحوار سوى التدليل ودفع البرهان بالبرهان ومنع المقدمات. . الخ وليس فيها الوصف بالخروج على الآيات وإنكار الأحاديث!
هذا معنى في الأزهر ما زال موجوداً، وهو موجود على أشده في بيئة أزهرية معنية يعرفها الأزهريون ولها صلة وثيقة بالجمهور!
فإذا رجعت إلى أسلوب الدراسة والكتب المقررة وجدت العجب العجاب. وكلمة (العجب العجاب) هذه كانت تقال في زمن عبد القاهر الجرجاني وأبي هلال والشاطبي وغيرهم. كانوا يقولونها في نقدهم لآراء مخالفيهم؛ أما في عصرنا الحاضر، حيث النظريات الصحيحة الثابتة في شتى نواحي العلوم، وحيث السرعة والحرص على الزمن، فإني أرى كلمة (العجب العجاب) غير كافية للتعبير عما أقصد. وأعترف بالعجز عن اختيار لفظ مناسب يوصف به هذا التسكع العلمي الذي نسميه دراسة، مع أن الدراسة دائماً تنتج الوضوح وحل المشكلات، وهذا التسكع يقوم دائماً على التعقيد وخلق المشكلات!