للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

هذا هو السبب في هيامي بالإسكندرية، ولن أشبع منها أبداً. فجنوني بها هو انتقام من الزمن الجائر الذي قضى بأن أراها أول مرة في ظروف أفظع وأشنع من أعمار الأحزان

أحب أن أفرح في الإسكندرية. أحب أن أرى فيها أيام نعيم بعد أن رأيت فيها شهور بؤس. أحب أن أراها وتراني في بشاشة وأريحية وصفاء. فخذي بزمامي إلى حيث تشائين، يا مهد الشهامة والنضارة والجمال

لك قلبي، يا إسكندرية، فامنحيني من العطف ما أنسى به تلك الأيام السود، أيام الاعتقال. واصفحي عني، يا إسكندرية، إن افتضحت في هواك، فما يكون تلاقينا إلا بَلْسماً لجرح عميق تعتادني آلامه من حين إلى حين. . .

أيها السادة

لمدينتنا هذه تاريخ وتواريخ

فيها وقعت أعظم فاجعة غرامية، وهي فاجعة صيرت الحب شريعةً من الشرائع. ألم يكف أن يصل اسم كليوباترة إلى جميع البلاد وأن تؤلف فيه المئات من الأقاصيص؟

ومدينتنا هذه هي التي حفظت ذخائر الفلسفة اليونانية بعد غفوة العقل اليوناني

ومدينتنا هذه هي التي عرفت الاستشهاد في سبيل المسيحية أعوامَ اضطهاد المسيحية

ومدينتنا هذه هي التي استقبلت طلائع الجيش الإسلامي وجعلت للإسلام دولة على شاطئ المحيط، وقد كان بحرنا هذا أول بحر خفقت فوقه الراية الإسلامية، وسيظل إلى الأبد صلة الوصل بين حضارة الإسلام في الشرق وحضارة النصرانية في الغرب، ولن تكون شواطئه الشرقية إلا بأيدينا مهما بغى الاستعمار واستطال

ومدينتنا هذه هي التي خلدت اسم من نسبتْ إليه. وما بناها الاسكندر كما يتوهم الجاهلون، وإنما بنى حيَّا من أحيائها، وسيأتي يوم لا يُعرف فيه مَن الإسكندر إلا بوصل اسمه الفاني بهذه المدينة الباقية على الزمان

وقد سميت باسم الإسكندرية مدن كثيرة في المشرق والمغرب، ولكنها ذهبت جميعاً، ولم يبق غير مدينتنا هذه لأنها مصرية، ومصر عريقةٌ في الخلود

أيها السادة

كتب أحد أدبائكم يقول إن الإسكندرية تقتل الروح الأدبي، وهو أديب لا أسميه لئلا أعرِّض

<<  <  ج:
ص:  >  >>