في مدينتنا هذه خُلقت المعارضة السياسية بطريقة صريحة لأول مرة بعد الثورة المصرية. وفي مدينتنا هذه وجد الناس من الشجاعة ما يقاومون به سعد زغلول وكان اسمه قد ملأ جميع الأرجاء
وما يهمني أن أقول إن تلك المعارضة كانت بحق أو بغير حق، فلذلك حديث غير هذا الحديث، وإنما يهمني أن أقول إن أول معارضة ثارت في مصر بطريقة صريحة كانت المعارضة الموجَّهة إلى مشروع ملنر، وتلك المعارضة لم ترفع رأسها إلا في الإسكندرية بجريدتين سيذكرهما التاريخ وهما جريدة (الأمة) وجريدة (الأهالي)
فكيف جاز أن يسيطر سعد زغلول على سائر المدن المصرية ولا يجد مقاومة في غير هذه المدينة؟
لا تتهموني بالعصبية للحزب الوطني، فأنا في نفسي أعظم من كل عصبية وإن اعتمدت على الحق، وإنما يهمني أن أسجل محامد مدينتنا هذه فأقول إن سكانها الوطنيين يرجعون في الأغلب إلى عنصريين اثنين: العنصر الوافد عليها من الصعيد وهو عنصر معروف بالعناد، والعنصر الوافد عليها من المغرب بعد سقوط الأندلس في أيدي الأسبان وهو معروف بقوة المراس، ومن أجل هذا ترون الإسكندريين الوطنيين قوماً غلاظ الأكباد يغضبون بسرعة ويستوحشون من الدخلاء كأهل المغرب وأهل الصعيد، أما سكان الإسكندرية من أهل الوجه البحري فهم أقلية، وهم مصدر اللطف الذي نلمحه في الإسكندرية من وقت إلى وقت في غبية الغضب واللجاجة والعناد
وهنا يسمح المقام بتسجيل خاطر غريب
في هذه المدينة الثائرة بالفطرة وبوحي البحر نرى شواهد من النظام لا نجده في أية مدينة مصرية
في هذه المدينة وضعت قواعد النظام للمعاهد الدينية، فأول معهد ديني نظامي هو المعهد الإسكندري، وقد أشرف عليه رجل صعيدي حادّ الطبع،، ولكنه في روحه مفطور على نظام هو أستاذنا الجليل المرحوم الشيخ محمد شاكر الذي كان يرضي ويغضب في لحظات،