لو منا الزحام فيه لكنا ... نشتهيه لصاحب وحبيب. . .
ويبالغ ابن الوردي فيأسف على ما فات من الزمان في غير الخمول، كأنما فاته شيء من العز والمجادة فيقول:
أسفي! كيف كنت أطلب عزاً ... بالولايات وهي عبن الهوان
كنت لا أعرف الخمول لجهلي ... ليتني كنت خاملا من الزمان
وقد أطلق له الخمول حرية القول وفتح أمامه فجاج الحديث. ففخر بنفسه ليدل الناس على مفاخره، ونقد مجتمعه ليبين لأفراده ضروب الفساد فيهم، وجأر بالشكوى مما أصابه لعله يجد فيهم سميعاً. وما كان خموله إلا شكوى صامتة واحتجاجاً سلبياً على حرمانه. فقنع ولكنها القناعة المرة. وقال:
أهملني قوم وكم فاضل ... يود أن ينظرني في المنام
ثم يقول:
قنعت والقنع يعز الفتى ... لما رأيت الحرص ذل الكرام
على أننا نعود إلى تسائلنا ونقول: هل كان ابن الوردي خاملا؟ وهل نال من وراء خموله ما يشتهي من الخمول الحق؟ كلا. . . فإن بعد عن الناس ببدنه فقد قرب إليهم بفكره، وان اعتزلهم بجسده فقد عاشرهم بشعره. ونال من وراء الجماعة عنهم ما يكون كامناً في نفسه من أمل الشهرة والذيوع. وان حرم الرزق والجاه. وقد مات ابن الوردي ولا يزال شعره يردد، وذكره يجدد، وعاش ومات في النابهين الخالدين. وكان من الشعراء القلائل الذين تركوا للناس مبادئ ومذاهب عاشوا بها ودعوا إليها.