قالوا تركت الحكم قلت تركته ... وأعتضت عن خضر القضاب اليأس
قتل الأنام على الحطام نفوسهم ... فصفعت دنياهم بألف مداس
وقد استقر في نفسه أن الخمول هو نصيبه الحق من الحياة. لأنه قل أن يجتمع الحظ الحسن مع الذكاء. ويندر أن ياتمُ الجاه الواسع مع البروز في العلم والآداب. فذكاء المرء محسوب عليه. وخير لطالب الجاه أن يدع سبيل العلم والأدب ويخليها لغيره. قال:
لا تحرصن على فضل ولا أدب ... فقد يضر الفتى علم وتحقيق
ولا تعد من العقال بينهم ... فإن كل قليل العقل مرزوق
والحظ أنفع من خط تزوقه ... فما يفيد قليل الحظ تزويق
والعلم يحسب من رزق الفتى وله ... بكل متسع في الفضل تضييق
أهل الفضائل والآداب قد كسدوا ... والجاهلون فقد قامت لهم سوق
والناس أعداء من سارت فضائله ... وإن تعمق قالوا عنه زنديق
وقد بدا لنا من هذه الأبيات عقيدته في الحظ، وقد رددها في أبيات متعددة فقال منها:
لي نفس تقية لم يعيها ... غير حظي وذا نهر اختياري
جامع الحظ والذكاء قليل ... يصعب الجمع بين ماء ونار
غير أن هذه العقيدة لا يصاحبها الرضا بل السخط، ولا يخالطها الاطمئنان بل المرارة والحسرة. إلا تراه يقول؛
إن لمت حظي فلا تلمني ... فإن لومي له بحق
للضد رزق بلا حساب ... ولي حساب بغير رزق
ويقول:
شتان يا ابن فلان ... تعاستي وسعودك
أنا يدوّد قزي ... وأنت قزز دودك
وما دام أمر الحظ كذلك فلا داعي للسعي وليس المرء ناعما في خموله، لا عمل ولا نصب، ولا كد ولا أدب. ولاسيما بعد أن كافح ونافح، ودرب وجرب، فلم يظفر من وراء ذلك بشيء: قال:
ما طلبنا الخمول جهلا ولكن ... ذاك عن خبرة وعن تجريب