أيهما أشعر؟ البركة أم النهر؟ (عمر بن الخطاب) أم الشعر؛ ما أدرى؛ ولعل الرواية - إذا كان عمر بن الخطاب رواية - أشعر من الشعر! على أن عمر بن الخطاب ونحن في حديثه، لم يعط الجزأين الأولين من الرواية أكثر من اسمه. . . فهو يمر في الأول كخطفة البرق، ويهم في الكتاب الثاني بالظهور. ولعلك تصغي إليه وتجلس بين يديه في الكتابين الموعودين، أما الآن فأنت في عالم الحب؛ فلا تقل وقد استنمت إلى أنغامه المهدهدة أين نحن من دنيا ابن الخطاب؟ وما علاقتنا به؟ عما قريب تلتفت إلى (سافو) التي لم تكن تعرف من العرب إلا حبيبها، فتسمعها تحدثك عن رعاة الغنم، الذين ملكوا رعاة الأمم، والبدو الذين علموا الحضارة الحضر. . . والعقيدة التي غلبت القوة، وحينئذ تدرك السر الذي نشده الأستاذ الارناءوط، فهو يريد أن يقفنا في هذا الصراع القائم بين العرب والرومان على لونين من الحب: حب السماء وحب الارض، وعلى رسالتين: رسالة العاشق ورسالة المجاهد؛ وعلى دولتين: دولة الطبقات، ودولة المساواة، وإذا كان في الأدب الفرنسي كتاب أسماه صاحبه - شاتوبريان - (عبقرية النصرانية) وأراد أن يعرض فيه دينه في أحسن معرض، فانه يخيل إلي أن الأستاذ الارناءوط سائر في هذه الطريق. فما (سيد قريش) و (عمر بن الخطاب) إلا فصول في كتاب سنطلق عليه ذات يوم اسم (عبقرية الإسلام) وإذا ما شئت (عبقرية العروبة)
أيها القارئ! ضع شارة تحت جملة بارعة في الجزء الأول من (عمر بن الخطاب)(أي قدر سعيد ألقاك في طريقي يا من يهيمن على حياتي؟) فأنه قدر سعيد حقاً. . . أن تعيش في عالم (كريستيا) و (بنيامينا) و (سافو) و (فروة) و (نفتالي)، قدرٌ سعيد أن تعيش تحت سماء (كأنها لفرط الضياء جنة من اللؤلؤ) وأن ترى إلى (كريستيا) يلتمس حبيبته في الحلم ولكنه (لا يجرؤ أن يمس وهو سادر في وهمه جسدها المترنح مخافة أن تفوته لذة هذا الوهم) وأن تستمع إليه ينشد بين يديها: (لقد رأيتك في ذات ليلة أمام المرأة تريقين على جسدك العاري عطور النارنج، ورأيتك تغسلين فخذيك الناعمتين بعطر الورد، ثم رأيتك تصبين على نهديك عطوراً حملها إليك محبوك من مصر وفينيقية والشام، فوددت لو أنك تبدلين طيوبك بطيب آخر لم تحفل بمثله أرض فينيقية ذات السماء المصحية، ولا جنات مصر الضاحكة على ضفاف النيل. . . بطيب انبعثت براعمه في نفسي). . . ثم اخرج