لكم الويل ماذا تريدون مني، وقد قضيت شبابي في خدمة الآداب والفنون؟
طاخ! طاخ! طاح!
تلك إذن خاتمة المطاف لدنيا الشقي السعيد، وهو الرجل الذي شهد الاحتفال بعيد ١٤ يوليه في باريس ست مرات، ونعِم بالألعاب النارية في باريس أكثر من عشر مرات في مواسم مختلفات، ولعلها تزيد على العشرين، فلا ضَيْرَ عليه في أن يموت بالنار الحقيقية في إسكندرية وفي يده قلم أعنف من قنابل الألمان، وإن عشت بعد هذه الليلة الباغية، فسيرون كيف صدقتُ في الثناء على نفسي، فأنا بالرغم منهم فَتى مصريٌّ لم يعرف الخضوع لغير صاحب العزة والجبروت
طاخ! طاخ! طاخ!
الجيران يصرخون ويولولون، ونوافذ غرفتي تصرخ وتولول، وقلمي مع هذه المزعجات أكثر طمأنينة من التمساح الجاثم بأعالي النيل، فكيف أُغمِدُ قلمي في هذه اللحظة وأنا أشتهي أن أموت وقلمي في يدي؟
طاخ! طاخ! طاخ!
سأموت بعد لحظة أو لحظتين، فقد كادت نوافذ غرفتي تتصدع من هول الصيال بين مدافع الإنجليز وقنابل الألمان، فما أسعدني حين أموت والقلم في يدي، وإن كنت أرتاب في إنصاف التاريخ
توت! توت! توت!
انتهت الغارة بعد تسعين دقيقة، فواخجلتاه من العيش، وليس في يدي مدفع ولا سيف!
فما دنياي وأنا الشقيُّ السعيد في الثواني التي تعد بال١٧٢٨٠٠؟
ما دنياي في تلك الثواني التي تفوق الأزمان الطوال؟
دخلت المفوضية العراقية في ليلة حرب وقد تهيأت أبهاؤها لتكون ميدان رقص، فقلت: إن اللهو لا يعاب على الأمم القوية والعراقيون أقوياء بالروح، وإن أُتهموا كذباً أو صدقاً بنقض العهود.