ففي ضفته اليسرى يقع ميدان السوربون. وشارع سوفلو، وفيما بينهما وبين شارع سان جاك تقع السوربون والكليات المختلفة الملحقة بها فيما بين دروب وشعاب ضيقة قاتمة؛ وفيما بينهما أيضاً تقع عدة من المعاهد العلمية القديمة مثل كلية (لوي الأكبر)؛ ومن الحق أن يقال إن هذه المجموعة القديمة من المباني القاتمة لا تتفق في مظاهرها المادية المتواضعة مع ما لها من سمعة جامعية مؤثلة؛ بيد أن هذا الحرص على القديم ربما كان في ذاته مثاراً للإجلال والإعجاب بهذه المعاهد التالدة التي يرجع بعضها إلى نحو سبعمائة عام، فنحن نعرف أن معهد السوربون أسس في منتصف القرن الثالث عشر، في عهد لويس التاسع، وكان في الأصل معهداً لتدريس العلوم الدينية، وأن تنظيم الكليات الجديدة في السوربون يرجع إلى عصر نابليون، أي إلى نحو قرن وربع.
وحي سان ميشيل الذي يضم هذا الحشد الجامعي، كما قلنا حي متواضع بيد أنه حي عامر ضخم، ويمتد بولفارسان ميشيل من أحد طرفيه إلى مونبارناس، وشارع (البور رويال) وما زال يخترقه إلى اليوم خط الترام بعد أن ألغيت خطوطه من معظم الشوارع الكبرى؛ ويتصل من الناحية الأخرى بشارع فوجيرار على مقربة من الأوديون وحديقة اللوكسومبور التي تبث نسيمها الصبوح إلى الأحياء المجاورة، والتي يهرع إليها جمهور الطلبة والشعب يتفيأون ظلالها ورياضها؛ وفي سان ميشيل والشوارع المتفرعة منه عدة من الفنادق الرخيصة التي تنم عن تواضع روادها؛ وهنالك أيضاً طائفة من المكتبات التي تتاجر في الكتب المستعملة؛ وإنك لتلمس على الجملة في كل ناحية من أنحاء سان ميشيل وما إليه ما يدل على صفة الحي المتواضعة النبيلة معاً.
ولا بد لنا بهذه المناسبة أن نذكر كلمة عن المدينة الجامعية التي تربطها بالحي اللاتيني أوثق الروابط؛ والتي لا يعرفها كثيرون من المصريين الذين درسوا في فرنسا لأنها أنشئت منذ أعوام قلائل فقط.
تقع المدينة الجامعية في ظاهر باريس من جهة الشمال الشرقي في شارع جوردان في بسيط أخضر من الحدائق والحقول النضرة؛ وقد كان من حظي أن زرت المدينة الجامعية وطفت بأنحائها برفقة مدموازيل ليجران، وهي آنسة رفيعة الثقافة تتولى منصباً في إدارة المدينة الجامعية نفسها، وهي التي تفضلت بالشرح والتعريف لكل ما سألت وشاهدت.