كان أول من فكر في هذا المشروع الجليل عضو من أعضاء مجلس الشيوخ غاب عني اسمه، فدعا إليه في المجلس وفي الصحافة، ولم يلبث أن صادف نجاح التحقيق؛ وكان المثري الأمريكي روكفلر أول من اهتم بأمره ونفحه بهبة مالية حسنة ساعدت على تحقيقه.
وتنقسم المدينة الجامعية إلى قسمين: القسم العام ويشمل الأبهاء والمرافق العامة وإدارة المدينة الجامعية نفسها، وهذا القسم هو روح المدينة وهيكلها الحقيقي؛ والقسم الخاص، وهو الذي يضم دور الطلبة لمختلف البلدان، وهو خاص بسكنى الطلبة؛ وفي القسم الأول حديقة بديعة وعدة أبهاء كبيرة للمطالعة والكتابة والجلوس قد أثثت جميعها ببساطة وإتقان معاً؛ وهنالك مطعمان كبيران قد صفت فيهما موائد بسيطة نظيفة، وكذلك مقهيان كبيران؛ وفي وسع الطلبة أن يجلسوا للمذاكرة أو الكتابة أو السمر في هذه الأبهاء الشاسعة المنيرة، وأن يتناولوا الطعام أو القهوة أو الشاي أو غيرهما في تلك المطاعم أو المقاهي النظيفة بأثمان زهيدة جداً تناسب أحوالهم وماليتهم؛ ووجبة الطعام الحسنة تكلف الطالب من ٣ إلى ٥ فرنكات، وثمن المشروب فرنك أو نصفه، وهذه أثمان لا تحلم بها في مطاعم المدينة ومقاهيها؛ وهناك حمامات وملاعب ومسرح يقوم الطلبة بالتمثيل فيه أو تمثل فيه الفرق التي تدعوها إدارة المدينة لتسلية الطلبة، وهنالك في الطابق الأرضي مكتبة بدئ بتأثيثها وإعدادها لتغذي الطلبة وتعاونهم على المذاكرة والبحث: هذه هي محتويات القسم العام للمدينة الجامعية شرحناها بإيجاز؛ وإنك لتشعر أثناء الطواف بهذه الأبهاء والغرف الشاسعة التي تشرف على الحدائق والحقول النضرة، إنها لأبدع ملاذ يمكن أن يأوي إليه الطالب في أوقات المذاكرة والفراغ معاً، بعيداً عن صخب المدينة وضجيجها، وإنك لتأنس شعوراً من الغبطة والإعجاب بما هيئ للشباب من وسائل الراحة والمتاع البريء.
وأما القسم الخاص من المدينة الجامعية فيحتوي على عدة دور كبيرة أنشئت إلى جانبي القسم العام عن يمينه وعن يساره على طول شارع جوردان؛ لكل دولة دارها؛ فهنالك دور لإنكلترا وأمريكا واليابان وفرنسا وهولندا وبلجيكا وكندا وغيرها؛ وتخصص هذه الدور القومية التي تتولى الدول المختلفة تشييدها على أرض تمنح لها، لسكنى طلبة هذه الدول، فدار إنكلترا خاصة بالطلبة الإنكليز، ودار أمريكا بالطلبة الأمريكيين، وهولندا بالهولنديين، وهكذا؛ وأبدع الدور وأعظمها هي دار الولايات المتحدة؛ وهنالك دار صغيرة ولكن أنيقة