أشبه بخصائص النبوة. والدنيا أبخل على الناس بمعدن هذه الخصائص لندرته. وهل في الدنيا أندر من عناصر الإيمان والبطولة والصدق والإيثار والنزاهة؟ هل يدور بخلدك أن هتلر الذي تمثلت فيه دولة، ونهض به جيل، وقام عليه تاريخ، تتعلق نفسه في لحظة من اللحظات برغبة حقيرة كمظاهرة في حفل، أو ثروة في بنك، أو أبهة في ديوان، أو قريب في وظيفة، أو مدحه في صحيفة؟ إن القادة الذين يهيئهم القدر لمداولة الأيام وخلق الشعوب يطهر الله من وساوس الهوى ودسائس الطمع، فلا ينظرون في الأرض، ولا يصغون إلى الفتنة، ولا يستجيبون إلا للصوت السماوي البعيد الذي لا يفتأ داعياً إلى السمو أو التقدم
هذه مصر مثلاً، فيها الثروة الموفرة، والقوى المذخورة، والعدد العديد، والموقع الملائم، والتاريخ الحي، والمجد التالد، والهوى المتحد، والحس المشترك؛ فتستطيع بهذه المزايا النادرة أن تكون دولة مطاعة لها في الثقافة لسان وفي الحضارة يد وفي السياسة رأي؛ ولكن مزاياها لا تزال كامنة أو موزعة أو مشاعة؛ فلم يتح لها الله إلى اليوم ذلك الرجل العمَري الذي يجمع من نسماتها اللينة إعصاراً يدوِّي، ومن رغباتها الشخصية طموحاً يحلِّق، ومن قواها المفرقة جيشاً يرعب، ومن قصائدها الفردية ملحمة قومية ينشدها الليل والنهار ويرويها سجل الأبد
عندنا رجال من صاغة الكلام، وحفظة القانون، ومحترفي السياسة، أفلحوا في إثارة الصخب، وتمزيق العلائق، وتفريق القوى، وإغراء المطامع بكراسي الحكم وأبهة الألقاب وأموال الدولة، ولكنهم لم يفلحوا مجتمعين أن يعملوا في عشرين سنة ما عمله هتلر وحده في ست سنوات وستة أشهر.
لا تقل إنه الجهل أو العلم فلسنا أجهل من تركيا، ولا ألمانيا أعلم من فرنسا؛ ولكنها القوى الشعبية الطبيعية تتجمع وتتحد بالإرادة الصادقة والتوجيه النزيه فتفعل قِلتها المجمَّعة في تركية وبولندا، مالا تفعل كثرتها الموزعة في الهند والصين
معاذ الله أن يقع في ظنك يا قارئي العزيز أني أحب فردية الحكم لأني أحب أن يتولى قيادتنا رجل. فإن الرجل الزعيم الذي نرجوه، نرجوه للقيادة لا للسيادة، وللإِشارة لا للإِمارة، وللجهاد والتضحية لا للاستعباد والأثرة. وإن الرجل الذي نرجوه لنا ولكل أمة حبيبة في الشرق لا يمكن أن يطغي لأنه مؤمن، والإيمان من طبيعته كف السلطان وقتل