للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ما يزيد مذهبه تأييدا

وهذا المذهب لا يتفق في شيء مع حقائق التأريخ ولا مع المنطق السليم. فمن الثابت إن هذا النظام لم يكن معمولا به في الطبقات الفقيرة وحدها، بل كان عاما عند الفقراء والأغنياء في العشائر التي أخذت به. وقد حدثنا التأريخ عن بعض من وأدوا بناتهم في العصر الجاهلي، وذكر من بينهم عددا كبيرا من سراة القوم وأغنيائهم، ومنهم عمر بن الخطاب نفسه. . .

هذا إلى أن في قصر الوأد في العشائر السابق ذكرها على البنات دون البنين، لدليلا على أن الدافع إليه شئ آخر غير الفقر؛ إذ لو كان الفقر هو الدافع إليه، للحق جميع الأولاد بدون تمييز بين الذكور والإناث. . . ويزيدنا إقناعا بفساد هذا المذهب أنه لم يرد مطلقا ذكر الفقر في أي آية من الآيات التي نزلت في وأد البنات. أما الآيات التي ورد فيها قتل الأولاد مقرونا بخشية الإملاق، والتي يزعم أصحاب هذا المذهب أنها تؤيد وجهة نظرهم فهي لا تتحدث عن النظام الذي نحن بصدده، بل تتحدث عن نظام آخر كان متبعا عند بعض عشائر العرب، وهو قتل الأولاد على الإطلاق بدون تمييز بين ذكورهم وإناثهم، تحت تأثير الفقر وعدم القدرة على تربيتهم

ويذهب الفريق الأخر من الباحثين إلى أن أسباب هذا النظام ترجع إلى مبالغة بعض العشائر العربية في الحرص على صيانة أعراضها واتقاء ما يحتمل أن يصيبها بمكروه. فكان الواحد منهم يخشى، أن هو أبقى على بنته، أن تجر عليه وعلى عشيرته عاراً في المستقبل، إذا وقعت سبيه في يد الأعداء واستباحوا عرضها أو زلت في حياتها وقدر لها السقوط. ويروى أنصار هذا المذهب قصة يدعون أن حوادثها كانت السبب الأول في توجته العشائر السابقة هذا الاتجاه. وخلاصة هذه القصة أن عظيماً من عظماء العرب يدعى قيس بن عاصم قد سبيت بنته في غارة شنتها عشيرة معادية على عشيرته، ثم عقد بين العشيرتين صلح كان من شروطه أن ترد السبايا مقابل فدية مالية. غير أن ابنة قيس هذا كانت قد شغفت حباً بمن وقعت في يده، فآثرت البقاء عنده، ولم تقبل الرجوع إلى أبيه وعشيرتها. فآلى أبوها على نفسه ليئدن كل بنت تولد له، وسارت عشيرته على سنته، واقتدى بها بعض العشائر الأخرى

<<  <  ج:
ص:  >  >>