للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

التحول من السيطرة الأجنبية على التعليم إلى الحكم التعليمي الوطني، وتشبع الكثيرين من رجال الجامعة وطلبتها بالطموح السياسي، والحفاوة بالأعمال الإدارية التي تطغي على القائمين بها لوناً من الجاه الحكومي؛ كل هذا قد صرف الأذهان كثيراً عن التجرد للبحث العلمي دون سواه من الغايات المادية والسياسية

وحسبنا أن نشير إلى ذلك العدد الكبير من رجال الجامعة الذين غادروا مقاعد التدريس إلى مناصب الدولة الأخرى، وتطلع من خلفوهم إلى هذه المناصب ذاتها

فإذا استطاعت الجامعة الوليدة، جامعة الإسكندرية الجديدة، أن تحقق المعنى الجامعي، بأن يقف أساتذتها وطلبتها جهدهم على المساهمة في البحوث العلمية، وأن يشاركوا في المجهود الذي تقوم به الجامعات الأخرى، حققنا الغاية من إنشاء الجامعة، على أن ندع لجامعة القاهرة مهمتها الشعبية من حيث تخرج حملة شهادات للتوظف، تاركين للزمان أن يهيئ لها تحولاً صادقاً إلى المعنى الجامعي الحقيقي.

كان المعنى الجامعي متحققاً في الأزهر في أشد الأزمات التي نزلت به، ذلك أنه كان هناك شيوخ وطلبة تجردوا عن المادة والجاه، للعلم الأزهري، يدرسونه في الأزهر والمسجد والدار وعلى قارعة الطريق وفي الأفراح والمآتم: كان الشيخ يتحدث إلى الناس في كل مكان جاعلاً علمه شائعاً لا يبغي من وراء ذلك جزاءً أو شكراً. أما إذا كان شيوخ الأزهر لم يوفقوا يومئذ في المساهمة العامة للبحث العلمي الإنساني، فإن مرجع هذا إلى الأحوال السياسية وفساد الحكم والحكام وعدم التشجيع.

فالتجرد للعلم والانصراف عن المادة أو توجيهها لخدمة البحث العلمي - هو العنصر الأول للجامعة لكي لا تكون اسماً أو رمزاً لا يدل على حقيقة

نريد علماء لا نشغلهم بالتقليب ولا يشغلون أنفسهم بالدرجات والرتب والأوسمة واتخاذ التدريس وسيلة إلى الجاه الحكومي على صورة من الصور. علماء يحج الناس من مختلف البقاع للتشرف بالاستمتاع إليهم والمباهاة بلقائهم واتخاذ مؤلفاتهم مصابيح للاهتداء ومراجع للاقتداء

وعندي أن هذا سيكون ميسوراً لجامعة الإسكندرية أكثر من جامعة القاهرة؛ حيث تتجمع فيها أندية السياسة والصحافة والأحزاب والألقاب وألوان الجاه، لن تفتأ تجلب إلى جاهها

<<  <  ج:
ص:  >  >>