السبعينية على الجيش الفرنسي. والعجيب أن تلك الانتصارات، بالرغم مما صحبها من الزهو العسكري، لم تستطع أن تمحو من نفوس الشعب الألماني روح التشاؤم الذي أشاعته فيها فلسفة شوبنهاور، والتي تمكنت من ألباب الخاصة المثقفة تمكناً كان يوشك أن يؤدي إلى اليأس المطلق، لولا ما اضطلع به أدورد فون هَرْتمان من تلطيف تلك الموجة من الشعور الأسود، ولولا أن أصاخ إليه شباب الجامعات وأساتذتها الذين رسموا الطريق للنهضة الذهنية الألمانية، فانحرفوا بها عن طريق الأدب - إلى حين - إلى طريق العلوم، فازدهرت الفلسفة وفقه اللغات والتاريخ والعلوم التجريبية، حتى إذا أينع هذا الشباب ودّوت في أسماعه الصيحات الآتية من خارج ألمانيا. . . تنبه إلى صوت كَنْت العظيم فترك هيجل الألماني وراءه، ولم يلبث أن أتاه الصوت العظيم الآخر من داخل ألمانيا نفسها، فتلفت فرأى قيثارة الشعر والأمل ترقص في يدي جوته الخالد، كما رأى فيلسوف القوة الألمعي فردريك نيتشه ينهض جباراً مرعداً ليهدم شوبنهاور، وليهدم تقاليد الماضي العتيق الذي كان يجثم كابوسه المخيف فوق الذهن الألماني، ثم ليخاصم في سبيل ذلك صديقه الأعز رتشارد ثم لينشر إنجيله الجديد: هكذا تكلم فيقلب به الفكر الألماني ويجعله عدواً لكل قديم؛ ثم ليطلع على الناس بهذه الطوبى الجديدة، طوبى الإنسان الأعلى - أو السبرمان - الذي يعد الناس بالنسبة إليه (حبلاً ممتداً بين الحيوان وبين السبرمان) ثم ليجدف ضد أديان السماء تجديفاً هداماً لا يعرف القيود، ثم ليحدد وظيفة الرجل ووظيفة المرأة، فيجعل الأول للحرب والثانية لتكون متعة لرجل تلك الحرب، فإذا رأى أحداً يقصد إلى زوجه أوصاه ألا ينسى سوطه!؛ ثم ليبرر تسلط القوي على الضعيف وتحكمه فيه، لأن الذي لا يستطيع القيام على شأنه ينبغي عليه أن يسلم قياده للغير. ثم ليعتبر هذه الطائفة من الفضائل المتعارفة بين الناس، كالرحمة واحترام العهود وخفر الذمم والتواصي بالضعفاء، رذائل نشأت عن ضعف كامن في سويداء هذا الحيوان الذي نسميه الإنسان. . . الخ ويفتتن أدباء الشباب بهذا الإنجيل الجديد ويبشرون به ويصفقون له، لأنه في زعمهم جعل الأدب الألماني أدب (أفكار) جريئة حرة لا تعرف هذا الإله التنين الذي يقول: هذا كفر فدعوه، وذاك إلحاد فلا تخوضوا فيه. . . هذا الإله (الشرقي!) الذي يلوح بالنار ويغري بالجنة لا لشيء إلا ليشل تفكير الإنسانية. . . إلى آخر هذا الضلال. . . وقد ترددت