أصداء هذا الصوت الجديد في المسرح الذي أخذ بدوره يتحلل من الدرامة الإبداعية (الرومانتيكية) متأثراً بالدرامة الواقعية التي نفذت إليه من فرنسا وسكنديناوه (النرويج والسويد) وأول ما ظهر هذا التأثر في روايات إرنست فون الروايات التاريخية التي هاجم فيها كاتبها روح التشاؤم على هدى من تعاليم نيتشه. على أن معاصراً نمسوياً لهذا الكاتب وأعظم منه نشاطاً وأغزر فناً وأوفره مقدرة، اسمه لدفج قام يخلص الدرامة الألمانية من الإسفاف الذي تردت فيه بالمبالغة التي لا مبرر لها، واستثارة عواطف الجماهير (بالبهلوانيات!). . . استبدل لدفج بهذا النوع المستهتر المألوف - روايات واقعية مستمدة من صميم الحياة الريفية الهادئة وإن تكن لم تخل من التأثر بنيتشه - وفي سنة ١٨٨٨ افتتح برلين المسرح غرار المسرح وذلك برواية إبسن النرويجي (الأشباح) التي أثرت تأثيراً كبيراً على المؤلفين الثوريين الشباب، ونخص بالذكر منهم جرهارت هوبتمان، ثم هرمان ألفا لمسرح برلين المستقل كثيراً من الروايات التي كانت نواة الأدب المسرحي الألماني الحديث. ولقد كان سودرمان يتأثر الدرامة الواقعية الفرنسية ويجري دائماً في أذيال دوماس، وقد بلغ من ظهور طابعه على المسرح الألماني أن اعتبره النقاد المثل الأعلى الذي يقاس عليه، ولا يجوز أن يحاد عنه حتى انتهى الأمر إلى تفشي الروايات المتشابهة ذات الموضوع كأنما صبت جميعها في قالب بعينه، وهو نفس المآل الذي انتهت إليه الدرامة الفرنسية الـ التي كانت تؤلف دائماً في موضوع الحب الخاطئ مما أشرنا إليه في الفصول السابقة. وقد فطن سودرمان إلى هذا الخطر فحاول هجر ميدان الدرامة الواقعية إلى المأساة السيكلوجية، ثم إلى تقليد شيلر في دراماته الكلاسيكية إلا أنه فشل في ذلك. أما هوبتمان فكان أضعف شخصية وأوهى استقلالاً من سودرمان. . . كان يقلد كل من تدخل سمعته في المسرح الألماني من الخارج على حد ما عبر بعض نقاده. وكان تأثره بكتاب سكنديناوه أوضح من غيره، على أنه بتجاوب أصداء المسرح في أوربا عن طريقه داخل ألمانيا قد خدم المسرح الألماني من غير شك. فهذان هما أشهر مؤلفين واقعيين ظهرا في ألمانيا في تلك الفترة من فترات الانتقال الهامة هناك. على أن الحركة الواقعية لم تلبث أن انكمشت ثم أخذت تختفي جميع المسارح الألمانية، وحلت محلها الدرامة الغامضة الرمزية المجازية. وقد سبقت النمسا كعادتها جميع الشعوب الجرمانية،