ولا سيما شمالي ألمانيا إلى الأخذ بهذا النوع الجديد من الروايات الرمزية، حيث ظهر فيها مؤلفون أحيوا درامات القطولة القديمة التي اشتهرت في المسرح الفرنسي في القرن السابع عشر مع فارق واحد، هو أن أبطال هذه الدرامات لم تظهر على المسرح الألماني كأنصاف آلهة منزهة، ولكن كرجال ونساء ذوي عواطف مشبوبة ولهم مشكلاتهم التي يعرفها الإنسان في كل زمان ومكان. وهكذا لم يلبث المسرح الألماني أن استقل بأدبه عن جميع المسارح الأوربية، وأصبح له مذهبه الدرامي الخاص الذي يتفرد به بين هذه المسارح حتى صار في مقدمتها افتناناً من وجهتي الشكل والموضوع، وحتى صار معهداً دائب الحركة، محتفظاً بجمهوره المشغوف بكل جديد وبكل شاذ. ولا جرم أن مذهب (التعبيرية قد ينشأ من مذهب الرمزية إن لم يكن هو نفسه هذه الرمزية بعينها، وربما اضطر إليه المؤلفون ليخفوا وراءه ما أشربت به قلوبهم من فلسفة نيتشة الكفرية، وذلك اتقاء مجابهة الجمهور المتدين إلى حد ما بأفكارهم الثورية ضد (الشرق) بأديانه وتقاليده، وضد الضعف الذي شقيت به ألمانيا قبل أن تتوحد، وليستطيعوا بذلك أن يبثوا فيه تلك النُّعرة الجرمانية التي تدعى أن الألمان هم أقرب الأجناس البشرية إلى (السبرمان) وأنهم أولى الأمم بالتحكم في بقية القافلة الإنسانية. . . والدرامة التعبيرية لا تصرح بأسماء الأعلام في فصولها - أو في مناظرها بتعبير أدق - فلا تسمي أبطالها زيداً أو عمراً أو إدورد أو شرلوت بل تسميهم الرجل الأول والرجل الثاني والخادم والصانع والمرابي والحبيب والحبيبة والقاتل. . . الخ وهي في ذلك تشبه الدرامة الأخلاقية التي نسخت الطورين الأولين من أطوار نشوء الدرامة الإنجليزية والفرنسية، ألا وهما طور الدرامة السمعية أو الإنجليزية والطور النقابي إذ لا نسمع في الدرامة الأخلاقية أسماء أعلام قط، بل تحل محلهم أسماء الفضائل المجردة والرذائل المجردة، فهذا ممثل يمثل الأمانة وذاك ثاني يمثل الشر وهذا ثالث يمثل الصدق، وذاك يمثل الكذب وهكذا
ويأخذ النقاد الإنجليز والفرنسيون على هذه البدعة من بدع الدرامة الألمانية أنها إحياء لمذهب قديم ثبت فساده، لأن الأسماء المجسمة - أي أسماء الأعلام - أثبت في الذهن من هذه الرموز التي لا تؤثر في الجمهور، حتى ولا في الخاصة، كما تثبت وتؤثر أسماء الأعلام. . . فشخصيات هملت وعطيل وشيلوك ورومير ولير وطرطوف وما إليها من