الشخصيات الخالدة لم يكن من الممكن أن تكسب هذا الخلود لو سميناها الشباب والغيرة والربا والحب. . . الخ أو لو سُمِّيت الشاب والأسود واليهودي والعاشق. . . الخ
وذلك لأن الرابط التذكري في أسماء الأعلام أقوى منه في الصفات والمصادر. ويتساءل النقاد الذين ذكرنا فيما كانت النقلة من الدرامة الأخلاقية التي لا نذكر فيها أسماء الأعلام والتي استوعبت الطور الثالث من أطوار نشوء الدرامتين الإنجليزية والفرنسية إلى المأساة التي استوعبت الطور الرابع العظيم من تأريخ تلكما الدرامتين؟ لابد أن التجربة قد دلت على فساد تلك الرموز التي كانت تطلق على شخصيات الدرامة الأخلاقية، ولابد أن الجمهور قد مل هذه الألغاز الذي لا مسوغ له ولا ضرورة تلجئ إليه ولا خبر يرجئ فيه إلا أن يكون وسيلة لذلك الغرض الخفي المستتر الذي أشرنا إليه، وهو الخوف من مجابهة الجمهور بالحقائق السافرة، وإيثار اللف والطرق الملتوية على الجادة الواضحة والنهج السوي. ولو فطن مبتدعو المذهب الرمزي - والتعبيري - ممن يدينون بنيتشه، لآثروا الصراحة على الالتواء، لأن فيلسوفهم دعا إلى الشجاعة قبل أن يدعو إلى فضيلة أخرى من الفضائل. . . وأي شجاعة، بل أي تهور، أشد من الدعوة إلى الثورة على الله!
يتساءل هؤلاء النقاد: لم لم ترتفع أية درامة تعبيرية - درامة واحدة - إلى الأفق السامي الذي ارتفعت إليه درامات شيكسبير وبن جونسون وسنج وشو وشريدان وإبسن ومترلنك وشيكوف وموليير وساردو وسارسي وبيراثدلو وجاكنتو بينافنت إلى آخر هذا الثبت الحافل العظيم من مؤلفي الدرامة الأوربية الخالدة من غير المؤلفين الرمزيين؟. . . وهذا في الواقع سؤال له وجاهته. ويزيد في دلالته على أنه الحق، أن مسارح المستودعات ما تزال قائمة في ألمانيا وما تزال تعرض درامات هؤلاء المؤلفين الذين سمينا هنا وغيرهم فيقبل عليها الشعب الألماني إقبالاً عجيباً يترجم عما يكنه هذا الجمهور من النظارة من الشغف بتراث الإنسانية العظيمة النيرة و (لسنا نقول هذا غضاً لقيمة الدرامة الرمزية في ألمانيا؛ إذ أن لها جمهورها الراقي المثقف الذي يتألف من خلاصة رجال الفكر الألماني. . . إلا أننا نرى أنها ليس مما يلائم جماهير النظارة ممن يقصدون إلى المسارح الشعبية)